Daga Adabin Wasan Kwaikwayo na Yamma
من أدب التمثيل الغربي
Nau'ikan
وقد انصرف الزعيم ومعه الفتى، وأقبل أبو الفتاة وصاحبته تلك فأخذا ينصحان للفتاة، ولكنها مقتنعة لا تقبل نصحا، ملحة في الشيوعية لأن فيها مستقبل زوجها العظيم. وهي تدعوهما إلى العشاء فيقبلان وهم يعلمون أن الاجتماع الشيوعي سيذاع في الراديو فيتهيئون لاستماعه. ولكنهم لا يكادون يسمعون حتى يتبينوا أن الفتى قد أخفق في خطبته، ولم يستطع أن يثبت للمقاطعين، فلا تستيئس الفتاة وإنما تزداد أملا وثقة، وتطلب إلى أبيها وأخيها وصاحبتها ألا يظهروا علمهم بما أصاب زوجها من الإخفاق. وهذا زوجها قد أقبل مع الزعيم وسكرتيرة الحزب، وزوجها ظاهر الحزن، والزعيم والسكرتيرة يهونان الأمر ويعللانه بأنه أول لقاء بين الخطيب والجمهور، ولكن ماذا؟ إن الزعيم رجل أنيق، حسن الزي، ظاهر الترف، والسكرتيرة فتاة جميلة بارعة الزي، كثيرة الحلي، شديدة التلطف للزوج، كأنها تداعبه، وتمنيه الأماني. وامرأته تلاحظ ذلك فتثور في نفسها الغيرة التي سترد الأشياء إلى نصابها.
ذلك أنها لم تكن تقدر أن يكون زعماء الشيوعيين وقادتهم من الترف والثراء بحيث ترى الفتاة وهذا الزعيم. وهي تحب زوجها لأنه عظيم، ولكنها لا ترى ولا ترضى أن يكون شركة بينها وبين غيرها من النساء. وهي تقبل تقسيم الثروة، وتقبل الشركة في الغنى والفقر، ولكنها لا تقبل الشركة في الحب، وهي تظهر غيرتها للزوج وتحذره من هذه المرأة اللعوب وتنذره بالمراقبة الشديدة.
فإذا ارتفع الستار عن الفصل الثالث؛ فقد اجتمع القوم إلى مائدة العشاء، ونحن لا نراهم، وإنما نسمع حوارهم حول المائدة، أو قل نسمع خصامهم. فهم يختصمون، ويختصمون اختصاما عنيفا كأقصى ما يكون العنف. ويختصمون في كل شيء، وربة البيت متعبة تحاول أن تصرفهم عن الخصومة، وأن تردهم إلى حديث يمكن أن يتفق فيه الرأي، ولكنها لا تفلح؛ فهم يختصمون في الدين؛ لأن الشيوعيين يلحدون، وهم يختصمون في الأدب والفن؛ لأن الشيوعيين يسرفون في التجديد، وهم يختصمون في كل شيء يمس الذوق؛ لأن الشيوعيين يسرفون في الحرية، وهم يختصمون في اللغة؛ لأن الشيوعيين يجرون على ألسنتهم ألفاظا مسرفة الابتذال. ومن خصوم الشيوعيين من يترك المائدة محتجا أو مشمئزا، والخدم يرون ذلك ويسمعونه وهم يتندرون بذلك ويسخرون منه. وربة البيت وزوجها يجتهدان في رد النافرين من المائدة إلى طعامهم، فلا يبلغون ذلك إلا بشق النفس. ثم ينتهي العشاء ويقبل القوم على غرفة الاستقبال؛ فنراهم وقد بلغ الخصام بينهم أقصاه، وجدت ربة البيت في التوفيق بينهم، فلم تفلح، وإذا هي تخاصم مع المخاصمين، وإذا ميلها إلى المحافظة ظاهر، ونفورها من الشيوعية بين. أليست هذه المرأة الجميلة التي تداعب زوجها وتحاول أن تغريه وتغويه بلمس اليد، وباللحظ وباللفظ، شيوعية؟! أليس هذا يكفي؟! بلى. وهذه الزوج تنضم آخر الأمر إلى صف المحافظين، وقد انقضت السهرة كما استطاعت أن تنقضي، وافترق القوم على غير فهم، ولا مودة. ولكن أزمة جديدة تبتدئ، فهذه الزوج الشابة قد لاحظت أنها أفسدت الأمر على زوجها حين أغضبت زعماء الشيوعيين، فهي إذن لا تحبه كما ينبغي؛ لأنها تبث أمامه العقبات، وهي نادمة وهي مشفقة وهي حائرة لا تعرف كيف ترضي زوجها، وهي تنبئ أباها بهذا كله، وأبوها يهون الأمر عليها ويزعم لها أن الحب سينتصر على كل شيء. وهذا زوجها قد عاد من تشييع المنصرفين وقد خلا إليها، وهي تعتذر إليه، وتلح في الاعتذار وإظهار الندم، ولكنه هو سعيد بكل ما كان، فلم يكن فيما بينه وبين نفسه شيوعيا، ولا زعيما، ولا رجلا عظيما، وإنما هو رجل مؤرخ لا يتمنى إلا أن يخلو إلى كتبه وحبه. وهو ينبئها بحقيقة أمره فلا تصدقه، وإنما تحمل ذلك منه على حب التضحية في سبيل من يهوى. وأي تضحية أجل خطرا وأبلغ أثرا من التضحية بالعظمة والزعامة والمستقبل في سبيل الحب؟
هي ساخطة إذن على نفسها، ولكنها راضية كل الرضى عن زوجها، فهو يأبى إلا أن يكون بطلا دائما. كان بطلا حين كان يريد الزعامة، وهو بطل حين يضحي بالزعامة.
أما زوجها فسعيد كل السعادة، راض كل الرضى؛ فقد تبين له أن امرأته تحبه لنفسه لا لزعامته ولا لعظمته، وإنما تحبه وتجعله بطلا لأنها تحبه. وهل كان يريد غير هذا، وهذه الزوج الشابة تسرع إلى التليفون فتطمئن أباها وتتمنى له نوما سعيدا، وتنبئه بأنها ما زالت مع زوجها في غرفة الاستقبال.
أصيل التمثيل
ليس حتما فيما أظن أن نتناول في كل هذه الأحاديث قصة تمثيلية أو غير تمثيلية على النحو الذي ألفه الناس في هذه القصص وفيما أكتب عنها من أحاديث، بل قد يكون لي أن أتجاوز هذا النحو المألوف من حين إلى حين، لأرفه على القراء مرة، ولأرفه على نفسي مرة أخرى بهذا التنويع الذي يشتد الحرص عليه من وقت إلى وقت، ولأفكر وأدعو القراء إلى التفكير في بعض المسائل التي يفكر الناس فيها من وراء البحر، والتي قد يكون من الخير أن نفكر فيها نحن أيضا.
وأظن أن القصة التي سنتحدث عنها اليوم تجمع هاتين الخصلتين معا؛ فهي مخالفة لما ألف الناس من ناحية، وهي داعية إلى الروية والتفكير من ناحية أخرى. مخالفة لما ألف الناس، فلا يكاد الحب يحدث فيها أثرا ظاهرا، بل لا تكاد شخصية الأبطال الذين يمثلون القصة ويلعبونها تحدث أثرا ظاهرا أيضا، بل ربما لم يكن لهؤلاء الأبطال - إن صحت تسميتهم بهذا الاسم - شخصية واضحة، فهم إلى أن يكونوا رموزا لطبقات وطوائف من الناس أدنى منهم إلى أن يكونوا رموزا لأشخاص متميزين. ويكفي أن تعلم أن كل فرد من الأفراد الذين يظهرون في هذه القصة إنما هو رمز لطائفة من الطوائف وجماعة من الناس. فالكاتب لم يرد إلى تحليل شخصية من الشخصيات، بل هو لم يرد تصوير جماعة من الجماعات، وإنما أراد إلى تصوير ظاهرة من الظواهر العامة، التي نشهدها في هذه الأيام ، أو التي كنا نشهدها في وقت من الأوقات.
والقصة مع ذلك تدعو إلى الروية والتفكير لنفس السبب الذي ذكرته آنفا، وهو أنها تصور ظاهرة من الظواهر العامة لا فردا من الأفراد، ولا جماعة من الجماعات. وهذه الظاهرة هي ما كان يشاهد منذ حين، وما لا يزال في أوروبا إلى الآن من ضعف التمثيل وتخاذله وانهزامه وإشرافه على الموت.
هذه الظاهرة شوهدت وما زالت تشاهد في أوروبا، وأظنها قد غمرتنا نحن فقضت على التمثيل عندنا قبل أن يستكمل نشأته. ويكفي أن نعلم أن مصر لم تشهد فصلا تمثيليا عربيا هذا العام، وأن مئات من الذين كانوا يحترفون التمثيل، وما يتصل به من المهن قد احتملوا الحياة في شيء من الصبر والجلد، خليق بالرثاء والإعجاب معا، وأن وزارة المعارف قد راعها الأمر فألفت للتمثيل لجنة درست شئونه ورفعت في أمره اقتراحات إلى الوزير، وأن هذه الاقتراحات الآن بين يدي الحكومة تدرسها، ويقال إنها تنظر إليها في شيء من العطف كثير.
Shafi da ba'a sani ba