(إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد به أن يكثر به الكنوز، هاب من كل شيء) (١٣) وذكر بقية القصة.
٨٩ - [[وأخرج ابن النجار في تاريخه عن مفلح بن الأسود، قال: قال المأمون ليحيى بن أكثم: إني أشتهي أن أرى بشر بن الحارث. قال: إذا اشتهيت يا أمير المؤمنين، فإلى الليلة ولا يكون معنا بشر. فركبا، فدق يحيى الباب فقال بشر: من هذا؟ قال: من تجب عليك طاعته. قال: وأي شيء تريد؟ قال: أحب لقاك فقال بشر: طائعا أو مكرها قال: ففهم المأمون، فقال ليحيى: اركب فمر على رجل يقيم الصلاة صلاة العشاء الآخرة فدخلا يصليان فإذا الإمام حسن القراءة فلما أصبح المأمون وجه إليه، فجاء به فجعل يناظره في الفقه، وجعل الرجل يخالفه، ويقول: القول في هذه المسألة خلاف هذا فغضب المأمون. فلما كثر خلافه قال: (عهدي بك، كأنك تذهب إلى أصحابك فتقول: خطأت أمير المؤمنين. فقال: والله يا أمير المؤمنين إني لأستحي من أصحابي أن يعلموا أني جئتك! فقال المأمون: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من يستحي أن يجيئني، ثم سجد لله شكرا. والرجل إبراهيم بن إسحاق الحربي.
(وأخرج ابن النجار في تاريخه عن سفيان الثوري قال: (ما زال العلم عزيزا، حتى حمل إلى أبواب الملوك فأخذوا عليه أجرا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم ومنعهم العلم به).
وأخرج البيهقي في (شعب الإيمان) عن بشر الحافي قال: (ما أقبح أن يطلب العالم، فيقال: هو بباب الأمير).
وأخرج أيضًا عن الفضيل بن عياض، قال: إن آفة القراء العجب، واحذروا أبواب الملوك فإنها تزيل النعم فقيل: كيف؟ قال: الرجل يكون عليه من الله نعمة ليست له إلى خلق حاجة فإذا دخل إلى هؤلاء فرأى ما بسط لهم في الدور والخدم استصغر ما هو فيه من خير ثم تزول النعم).]] (*)
أحوال مخالطة السلاطين
٩٠ - عقد الغزالي في (الإحياء) بابا في مخالطة السلاطين، وحكم غشيان مجالستهم، والدخول عليهم، قال فيه: (اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة، ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: وهي شرها، أن تدخل عليهم.
والثانية: وهي دونها أن يدخلوا عليك.
والثالثة: - وهي الأسلم -: أن تعتزل عنهم، ولا تراهم ولا يروك.
أما الحالة الأولى: وهي الدخول عليهم، فهي مذمومة جدا في الشرع وفيه تغليظات وتشديدات تواردت بها الأخبار والآثار فننقلها لتعرف ذم الشرع له. ثم نتعرض لما يحرم منه، وما يباح وما يكره، على، ما تقتضيه الفتوى في ظاهر العلم) ثم سرد كثيرا من الأحاديث والآثار التي سبق ذكرها (١٤).
ومما أورده مما لم يسبق له ذكر:
٩١ - (قال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك).
٩٢ - وقال الأوزاعي: (ما شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا).
وقال إسحاق: (ما أسمج بالعالم يؤتى مجلسه ولا يوجد فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير. وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يزور السلطان فاتهموه على دينكم. أنا ما دخلت قط على هذا إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج، فأرمي عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم). وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ويقول: (إن في هذا لغنى عن هؤلاء السلاطين).
_________
(١٣) حديث ضعيف. وأخرجه ابن النجار كما في الكنز (٤٦١٣١)، قال العراقي: هذا معضلٌ، وروى أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الثواب من حديث واثلة بن الأسقع، "من خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء" وللعقيلي في الضعفاء نحوه، من حديث أبي هريرة، وكلاهما منكر.
وانظر الكلام علي الحديث في: إتحاف السادة (٦/ ١٣٦)، تذكرة الموضوعات (٢٠)، والفوائد المجموعة (٢٨٦).
(١٤) الإِحياء (٢/ ١٤٠ - ١٤١).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين الحاصرات ورد في المطبوع هكذا: [وأخرج ابن النجار في تاريخه عن مفلح بن الأسود، قال: قال المأمون: ما زال العلم عزيزا، حتى حمل إلى أبواب الملوك فأخذوا عليه أجرا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم ومنعهم العلم به]، ا. هـ، وهو خلط وسقط كما يظهر من النص الكامل أعلاه
1 / 58