Mabudin Farin Ciki
مفتاح السعادة
Nau'ikan
وأما اللون الحادث عند الضرب، فإنما هو لون الدم انزعج بالضرب وليس بحادث، وقد ذهب البغداديون إلى أنه متولد عن الضرب، ويبطله أنه كان يلزم أن يولد الضرب في الجماد؛ لأن المحل محتمل، والسبب حاصل ولا مانع، والمعلوم خلافه، فإن قيل: أليس إن الضرب لا يجب أن يولد الألم في الجماد وإن ولده في الحي، فهلا جاز مثله في اللون.
قيل: إنما لم يصح في الألم لأن الضرب إنما يولده بشرط انتفاء الصحة، وهذا إنما يتأتى في بدن الحي، وليس كذلك اللون، فظهر الفرق بينهما، وأيضا لو كان اللون متولدا عن الضرب للزم أن يتولد من أول ضربة، وأن يتولد في ظاهر البشرة، وكذا بياض القبيطا، فإن ذلك اللون ليس بحادث، بل هو لون كان فيه وظهر بالضرب، ولهذا يستعان في ذلك ببياض البيض، وكذلك الكلام في اللون الحاصل عند خلط الزاج بالعفص، والحرارة الحاصلة عند حك أحد الراحتين بالأخرى.
وأما الأصل الثاني: وهو أنها لو لم تكن من فعلنا لما وجب فيها ذلك، فدليله أنها لو كانت من فعل الله تعالى لجرت مجرى الصور والألوان ونحوها مما علمناه أن العلة في تعذره علينا أنه لا يقف على أحوالنا، بل يوجد وإن كرهناه، ويفقد وإن أردناه، وكذلك أفعال غيرنا لما لم تكن من فعلنا لم تقف على أحوالنا.
فإن قيل: حاصل دليلكم أن أفعال العباد توجد بحسب الدواعي والصوارف، وتنتفي بانتفائها، وأنها لما كانت كذلك وجب كونهم الموجدين لها؛ لأنها قد دارت على الدواعي والصوارف وجودا وانتفاء، ونحن وإن سلمنا لكم ذلك فلنا: أن نقول دليل الدوران ظني حتى أن بعضهم لم يتمسك به في الفروع الظنيات، فكيف يتمسك به في قطعيات المسائل، ولا مانع من أن يوجد الله أفعالكم عند قصودكم بمجرى العادة.
قيل: لا نسلم أن الدوران لا يفيد إلا الظن، بل قد يفيد القطع اليقين إذا كثر تكرره واختباره، بل قد يفيد الضرورة كما في سائر التجربيات.
Shafi 187