103

قيل: والعلم الحاصل من الثلاثة المتأخرة لا يقوم حجة على الغير لجواز أن لا تكون له تجربة، ولا تواتر، ولا حدس لعدم مشاركته في ذلك للمستدل، وأما غير اليقينية فستة أقسام:

أحدها: المشهورات وهي قضايا يعترف بها جميع الناس لاشتمالها على مصلحة عامة لهم نحو: العدل حسن، والظلم قبيح، ولما في طباعهم من الرقة والحمية كمراعاة الضعفاء محمودة، ونصرة الولي حسنة، وخذلانه قبيح، أو لعادات وشرائع، ولكل قوم مشهورات بحسب عاداتهم وآدابهم، ولكل أهل صناعة مشهورات بحسب صناعاتهم.

الثاني: المسلمات وهي قضايا تسلم من الخصم فيبني عليها الكلام لدفعه سواء كانت مسلمة فيما بينهما خاصة، أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء مسائل أصول الفقه نحو أن يستدل الفقيه بخبر الواحد، فيقول خصمه خبر الواحد ليس بحجة، فيجيبه بأن حجيته قد ثبتت في أصول الفقه فلا بد أن يأخذه المناظر له مسلما، والقياس المؤلف من المشهورات والمسلمات يسمى جدلا، والغرض منه إلزام الخصم، وإقناع من لا قدرة له على فهم البرهان.

الثالث: المقبولات وهي ما يصدر ممن يعتقد صلاحه.

الرابع: المظنونات وهي ما يحكم بها العقل من القضايا حكما راجحا مع تجويز نقيضه نحو: فلان يطوف بالليل وكل من يطوف بالليل سارق، ففلان سارق، والقياس المركب من المقبولات والمظنونات يسمى خطابة، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم في معاشهم ومعادهم كما يفعله الخطباء والوعاظ.

الخامس: المخيلات وهي قضايا متخيلة فتتأثر النفس منها قبضا وبسطا فتنفر أو ترغب نحو: الخمر ياقوتة سيالة، والعسل مرة مهوعة، والقياس المؤلف منها يسمى شعرا، والغرض منه تأثر النفس ترغيبا وترهيبا، ويزيد في ذلك أن يكون الشعر على وزن لطيف وينشد بصوت طيب.

Shafi 103