والبارقة وإن كانت شعلة من وقود؛ وقبسا لطيفا من الأمر الكلي الموجود: فإنها دالة على ما وراءها من الكمالات، وهي أنموذج صغير من ذلك الأمر الكبير.
فإذا أداه السلوك السقيم؛ والطريق الذي هو ليس بمستقيم: إلى غايته ومنتهى أمده ؛ عرف بما عنده من البوارق الصحيحة أنه على غير طريق، وأن بلوغه ليس ببلوغ أهل التحقيق ثم غالب المصنفين لكتب الرقائق: تجدهم يصفون الطريق من الابتداء إلى الانتهاء؛ ومن التوبة إلى الفناء والبقاء، ولا يبينون الأمر الذي به يتم السير والسلوك، ولا ينبهون على الأمر - الذي تتدرج هذه المقامات فيه تدريجا - تنبيها تمتحي معه الشكوك.
ففيهم من أشار إلى مجرد الذكر البسيط أو المركب مع الخلوة والتقلل، وذلك يعطي حالا مجملا لا تمييز شرعي فيه، فيبقى بينه وبين ذائقي أهل الملل قدرا مشتركا، غير أنه يصدق بصاحب الشريعة وهم به مكذبون، والقدر الجامع بينهم مطلق التأله كما ذكر أولا.
ومنهم من أشار إلى العبادة والتلاوة بالتدبر، وإنما ينفذ في التلاوة حقيقة النفوذ الموصل إلى المطلوب : من عرف المقدمات - التي هي بمثابة الأساس للبنيان - من معرفة الأيام النبوية ؛ والسير الصحابية، وكيف كان ابتداء الإسلام وطلوع شمسه وبزوغ قمره? وكيف أينع غصن الإيمان وأينق؛ وسطع نوره وأشرق ?
Shafi 44