فمنهم من تقطعه السياحات، وتتزل به في أسفاره نوازل الفاقات، ومنهم من يعانق الجوع والضر والزهد والتقشف والفقر، غرباء بين الخلق، يظن الناس أن بهم جنونا وليسوا بمجانين، غير أن الطلب استولى على عقولهم فهيمها وبلبل أسرارها وأزعجها، وهم مع ذلك يشتاقون إلى لقاء دليل ناصح يدلهم على نهج السبيل، عساهم يظفرون بما عليه يهيمون، وإياه يؤملون.
فمن أراد الله به خيرا ألقاه على دليل ناصح، متبع لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم على المنهج الواضح، يعرف أمراضهم وعللهم وترحهم ومضضهم، فيحضنهم كما تحضن الطير ولدها، ويرضعهم من لبان المعرفة ما يبرد به من قلوبهم لهبها، ويسد بأقوات المعارف فاقاتهم، ويروي بمياه الوصول ظمأ أكبادهم، فهم جياع بغير المعرفة لا يشبعون، عطاش بغير مياه الوصول لا يروون، أذلاء بغير مقاعد الصدق لا يعتزون، مفاليس بغير كنوز التقريب لا يستغنون، هذا شأنهم وهم الغرباء، وطوبى للغرباء.
Shafi 40