السجايا وكرائم الأخلاق- أو أضدادهما- مما اكتسبت يداه أو ضمت عليه جوانحه وحشاياه أقوالا وأعمالا وعقائدا وأنظارا.
وبما تقدم تجلى سهولة معرفة أبي جعفر الإسكافي ومن كان على شاكلته ممن بقي منه بنحو القطع شيء من نزعاته ومعتقداته وحصيلة أعماله مما كان يدور عليه ويدافع عنه بتمام القوى والطاقات والإمكانيات فإن النواصب لأجل تركيز مكابراتهم في قلوب الناس وتسجيل أباطيلهم في نفوس السذج والغفلة من المسلمين- وهم السواد الأعظم منهم- وإن حالوا بين أبي جعفر الإسكافي وأمثاله وبين الحرية، وسلبوهم بمعونة أمراء الجور مواد الطاقات والإمكانيات وسدوا عليهم ساحات الفعالية والكر والفر، وسبل التحرك نحو الأهداف، ومن أجلها لم يتمكن أمثال أبي جعفر ممن كان عنده لمحات من الحقائق وقبسات من لوامع العقائد أن يبلغوا الناس ويبثوا فيهم ما عندهم من أنوار الحق والحقيقة، وأن يسعوا في تصفية الرشد من الغي وإذاعة الحقائق ونشرها بين الناس.
ولهذا حرم أكثر الناس عن أكثر الحقائق الموجودة عند أمثال أبي جعفر مما كان لا يلائم أهداف النواصب وأتباع الشجرة الملعونة في القرآن.
وكما حرم معاصروا أبي جعفر عن نيل الحقائق الموجودة عنده حرم المتأخرون عنهم أيضا منها، وكان حرمان المتأخرين أكثر من حرمان معاصري المصنف وذلك للحصر الجدي الذي فرضه النواصب وأعداء أهل البيت وأرباب السلطة على أبي جعفر وأمثاله وعلى صد الناس عنهم، ولشدة اهتمامهم على إتلاف آثار هؤلاء وتمزيقها وتحريقها ومحوها عن صفحة الوجود.
ولكن الله تعالى لحكمته البالغة وليحق الحق بكلماته ويبطل الباطل، ولإنجازه تعالى وعده في قوله تبارك وتعالى: «إن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى» ما أراد أن تنمحي جميع آثار أبي جعفر وأمثاله عن صفحة الوجود، بل أراد أن تحفظ بعض آثاره ومعرفاته مكافاة له على ما قام به من الحق.
ومن جملة ما أراد الله تعالى بقاءه من آثار أبي جعفر هو رده على عثمانية ممسوخ آل عثمان الجاحظ، وهذا الرد وإن لم يصل إلينا بكامله، ولكن هذا القدر الذي رواه ابن أبي الحديد عنه في شرح نهج البلاغة الذي يعد غرفة من نهر وقبسا من مشعل النور
Shafi 6