211

Memoirs of a Witness to the Century

مذكرات شاهد للقرن

Editsa

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

Mai Buga Littafi

دار الفكر

Lambar Fassara

الثانية

Shekarar Bugawa

١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م

Inda aka buga

دمشق - سورية

Nau'ikan

كانت هجرة (الروس البيض) تصل أمواجها، الواحدة تلو الأخرى إلى باريس، أحيانًا بعد منعرجات ومنعطفات طويلة، وكان الرجل الذي أشار إليه صديقي من أولئك المهاجرين، قد قذفته الثورة بعيدًا عن وطنه، وكان كثير من مواطنيه النبلاء يصلون مثله إلى باريس فيلبسون لباس سائق سيارة الأجرة، أو يفتحون مطعمًا روسيًا. وأصبحت بَاريس في تلك الفترة تحب أكل (الكفيار) وشرب (الفدكة) والاستماع إلى (البلاليكة)؛ وها هو ذا الرجل المهاجر منسجم في الوسط الفرنسي كأنه في بلاده أكثر من كل (أهلي) ينزح من المستعمرات الفرنسية.
ها هو ذا يوم امتحان الدخول لمعهد الدراسات الشرقية قد أتى. وكانت في هذه الفترة قد حولت مسكني من الفندق الأول، إلى آخر أقرب منه، إلى باب (سان دونيس)، في شارع القمر حيث توجد مدرسة اللاسلكي قريبًا من مسكني الجديد، ولم أكن أشعر أن الأقدار كانت تنسج خيوط حياتي.
فاستيقظت ذاك اليوم مبكرًا، ولم أكن أشعر بأي رعب تجاه الامتحان، فتوجهت بكل اطمئنان وهدوء إلى المعهد فوصلت قبل الوقت، واستطعت التعرف على بعض الإخوان من المرشحين، وتعرفت على الخصوص بشاب من ناحية (الباسك)، مرشح مثلي لقسم العربية.
ونوديّ علينا فدخلنا، ولم تبد لي أية صعوبة في الاختبارات ولكن النتيجة كانت خيبة أمل: لم أنجح!! ..
وليس هذا كل ما في الأمر، بل لقد طلبني مدير المعهد، وفي هدوء مكتبه الوقور شرع يشعرني بعدم الجدوى من الإصرار على الدخول إلى معهده، فكان الموقف يجلي لنظري بكل وضوح هذه الحقيقة: إن الدخول لمعهد الدراسات الشرقية لا يخضع- بالنسبة لمسلم جزائري- لمقياس علمي وإنما لمقياس سياسي.

1 / 216