في تلك الأمسية لم أفكر في ذلك كله. كان همي وأنا أتحدث عن حرب الريف أن أعلم أين أنام ..
صاحب المقهى حل المشكلة والحمد لله، فقد دعانا ننام في مقهاه كيما نتابع الحديث بعد إقفال المقهى.
في صبيحة اليوم التالي، كنا أنا وقاواو والولد في السابعة أمام باب مصنع الإسمنت. كان رئيس الورشة شهمًا، في سيماه جمال العامل الفرنسي، فسرعان ما أقنعته بأن ولدًا لا يستطيع العيش بغير عمل لا ينبغي أن نتركه بحجة أنه دون السن المطلوب، وهكذا أصبح لرفيقنا عمل مثلنا لكنه أقل وطأة. بيد أن رئيس الورشة قد وضعنا أنا وقاواو في مركز نغبط عليه نسبيًا.
كان عملنا يقضي بأن ننقل أكياس الترابة متسلقين سقالة إلى كوة تعلو أربعة أمتار أو خمسة، فكان عليّ أن أحفظ توازني وأنا أحمل على ظهري كيسًا يزن خمسين كيلو غرامًا.
كنت أترك شيئًا من الترابة يدلف من الكيس على كلتا يدي من علٍ فأتذوق نعومة الإسمنت على جلدي، وهذا ما كان علي اجتنابه على وجه الدقة. فالإسمنت يفتك بالجلد كالأحماض كما تفسد نعومة الحياة الروح.
في المساء لم أكن قادرًا على الوقوف، فكان علي أن أغيّر عملي. في اليوم التالي كلفت بنقل قطع من القرميد تزيد الواحدة منها على خمسين كيلو غرامًا، أضع أربعة منها في عربة صغيرة لأنقلها من مكان إلى آخر. كنت ناقلًا سيئًا على مثل هذا النوع من العربات، فالصينيون قد نسوا أن يضعوا لهذا النوع من العربات دولابين بدلًا من دولاب واحد، فعربتي ذات الدولاب الواحد كانت تميل مرة يمينًا ومرة شمالًا. رئيس الورشة الحاذق حل هذه المشكلة بأن ربط