Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Mai Buga Littafi
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Inda aka buga
https
Nau'ikan
يطلق لكلِّ من بادر بأيِّ شيء ٍكان في أي وقت كان، وأصله المبادرة بالشيء أوَّل النَّهار.
قوله: (فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ الفاء للتعليل، وقد استُشكل معرفة تيقن دخول الوقت مع وجود الغيم؛ لأنَّهم لم يكونوا يعتمدون فيه إلَّا على الشَّمس، وأجيب باحتمال أنَّ بريدة قال ذلك عند معرفة الوقت؛ لأنَّه لا مانع في يوم الغيم من أن تظهر الشَّمس أحيانًا، ثمَّ إنَّه لا يشترط إذا احتجبت الشَّمس اليقين، بل يكفي الاجتهاد. انتهى.
قوله: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ) زاد مَعْمَر في روايته: «متعمدًا» وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء، قال العَيني: كلمة (مَنْ) موصولة تتضمَّن معنى الشرط في محل الرَّفع على الابتداء، وخبره (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) ودخول الفاء فيه لأجل تضمُّن المبتدأ الشرط.
قوله: (فَقَدْ حَبِطَ) سقط من رواية المُسْتَمْلي، وفي رواية مَعمَر: «أَحْبَطَ اللهُ عملَهُ». انتهى.
وقال العَيني: و(حَبِطَ) -بكسر الباء الموحدة- أي بطل، يقال: حَبِط يَحبَط من باب عَلِم يَعلَم، فقال: حبط عملُه وأَحبَطه غيرُه، وهو من قولهم: حَبِطَت الدابة حَبَطًا بالتحريك إذا أصابت مرعىً طيبًا فأفرطت في الأكل حتَّى تنتفخ فتموت. انتهى.
احتجَّ الحنفيَّة بهذا الحديث على أنَّ المستحبَّ تعجيل العصر يوم الغيم، واحتجَّ به الخوارج وجماعة من غيرهم على تكفير أهل المعاصي، قالوا: وهو نظير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه﴾ [المائدة: ٥]، وردَّ عليهم أبو عُمَر بن عبد البرِّ بأن مفهوم الآية: أنَّ من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله، فيتعارض مفهوم الآية ومنطوق الحديث، فإذا كان كذلك يتعيَّن تأويل الحديث؛ لأنَّ الجمع إذا كان ممكنًا كان أولى من الترجيح.
قال شيخنا: فتأوَّل الجمهور الحديث وافترقوا في تأويله فرقًا؛ فمنهم من أوَّل سبب الترك، ومنهم من أوَّل الحبط، ومنهم من أوَّل العمل، فقيل: المراد من تركها جاحدًا لوجوبها أو معترفًا لكن مستخفًّا مستهزئًا لمن أقامها، وتعقِّب بأن الذي فهمه الصحابي إنَّما هو التفريط، وبهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدَّم، وقيل: المراد مِن تركها متكاسلًا، لكن خرج الوعيد مخرج الزَّجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله: «لا يزني الزَّاني حينَ يزني وهوَ مؤمنٌ»، وقيل: هو من مجاز التشبيه، كأنَّ المعنى: فقد أشبه من حبط عمله. وقيل: معناه كاد أن يحبط عمله.
وقيل: المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله، وكأنَّ المراد بالعمل الصَّلاة خاصة، أي لا يحصل على أجر من صلَّى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ، وقيل: المراد بالحبط الإبطال، أي يبطل انتفاعه بعمله في وقتٍ ما ثمَّ ينتفع به، كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنَّه موقوف في المشيئة، فإن غفر له فمُجَرَّد الوقوف إبطال نفع الحسنة إذ ذاك، وإن عدت ثمَّ غفر له فكذلك، قال معنى ذلك القاضي أبو بكر بن العربي، وقد تقدَّم مبسوطًا في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله، ومحصَّل ما قال: أنَّ المراد بالحبط في الآية غير المراد بالحبط في الحديث.
وقال في «شرح الترمذي»: الحبط على قسمين: حبط إسقاط، وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات، وحبط موازنة، وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النَّجاة فيرجع إليه جزاء حسناته.
وقيل: المراد بالعمل في الحديث
عمل الدُّنْيا الذي سبَّب الاشتغال به ترك الصَّلاة، بمعنى: إنَّه لا ينتفع به ولا يُمتع، وأقرب هذه التأويلات قول من قال: إنَّ ذلك خرج مخرج الزَّجر الشديد، وظاهره غير مراد، والله أعلم. انتهى. قال العَيني: وهو قول ابن بَزيزَة. وعلَّله العَيني بأنَّ الأعمال لا يحبطها إلَّا الشرط، كذا رأيته بخطه، وصوابه: إلَّا الشِّرك. انتهى.
واحتجَّ به بعض الحنابلة من أنَّ تارك الصَّلاة يكفر، وردَّ بأنَّ ظهره متروك، والمراد به التغليظ والتهديد، والكفر ضدُّ الإيمان، وتارك الصَّلاة لا ينفى عنه الإيمان، وأيضًا: لو كان الأمر كما قالوا لما اختُصَّتِ العصر بذلك، ووجه اختصاص العصر بذلك فلأنه وقت ارتفاع الأعمال، ووقت اشتغال النَّاس بالبيع والشِّراء في هذا الوقت بأكثر من وقت غيره، ووقت نزول ملائكة اللَّيل. قلت: ويمكن أن يقال: اختصاص العصر بذلك لأنَّه وقت تجلِّي؛ لأنَّ الله ينظر إلى أهل الدُّنْيا في هذا الوقت، وعلى هذا يكون المراد بحبط العمل سقوط عمله لصلاة العصر في هذا الوقت من نظر الله، والله أعلم. انتهى.
(١٦) (بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ) أي هذا باب في بيان فضل صلاة العصر، والمناسبة بين هذه الأبواب ظاهرة.
قال شيخنا: فضل صلاة العصر، أي على جميع الصَّلوات إلَّا الصُّبح، وإنَّما حملته على ذلك؛ لأنَّ حديثي الباب لا يظهر منهما رجحان العصر عليها، ويحتمل أن يكون المراد: أنَّ العصر ذات فضيلة لا ذات أفضليَّة. انتهى.
قال العَيني: هذا التقدير فيه تَعَسُّف، ولأنَّ جميع الصَّلوات منزلة في الفضل، غاية ما في الباب: أنَّ لصلاة الفجر والعصر مزية على غيرهما، وإنما خُصَّ العصر بالذكر للاكتفاء كما في قوله تعالى: ﴿سَرَابِيْلَ تَقِيْكُمُ الحَرَ﴾ [النحل: ٨١] أي والبرد أيضًا.
٥٥٤ - قوله: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) -أي بضمِّ الحاء المهملة- واسمه عبد الله بن الزُّبَيْر بن عيسى بن عبد الله بن الزُّبَيْر بن عبد الله بن حُمَيْد، ونسبه إلى جدِّه حُمَيْد القُرَشي المكِّي، مات سنة تسع عشرة ومائتين. قلت: تقدَّمت ترجمته في بدء الوحي، وأعاد العَيني بعضها ههنا. انتهى.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا مَرَوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ) أي ابن الحارث الفَزَاري، مات بدمشق سنة ثلاث وتسعين ومائة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ) أي ابن أبي خالد -بالخاء المعجمة- ترجمته في باب يتلو باب أمور الدِّين.
قوله: (عَنْ قَيْسٍ) أي ابن أبي حازم -بالحاء المهملة- ترجمته في باب الدين النصيحة.
قوله: (عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ) أي ابن جابر البجلي ﵁، ترجمته في الباب أيضًا.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، والعنعنة في موضعين، وفيه القول، ووَقَعَ عند ابن مردويه من طريق شُعْبَة عن إسماعيل التصريح بسماع إسماعيل من قيس وسماع قيس عن جرير، وفيه ذكر الحُميدي فنسبه إلى أحد أجداده، وإنَّه من أفراد البخاري، وفيه أنَّ رواته ما بين مكي وكوفي، وفيه رواية التَّابعي عن التابعي، وهما إسماعيل وقيس، وفيه أنَّ أحد الرُّواة من المخضرمين. قلت: تقدَّم الكلام على الخضرمة في باب: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] في كتاب الإيمان. انتهى.
قوله: (قَالَ: كُنَّا
1 / 68