Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Mai Buga Littafi
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Inda aka buga
https
Nau'ikan
قوله: (مِنْ دَرَنِهِ) -بفتح الدَّال المهملة والراء- وهو الوسخ، قال شيخنا: زاد مسلم «شيئًا»، وقد يطلق الدرن على الحبِّ الصِّغار الَّتي تحصل في بعض الأجساد، ويأتي البحث في ذلك. انتهى.
قوله: (قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا) قال العَيني: (شَيْئًا) منصوب؛ لأنَّه مفعول (لَا يُبْقِي) بضمِّ الياء أيضًا وكسر القاف، وفي رواية مسلم: «لا يبقى من درنه شيء»، فشيءٌ مرفوع؛ لأنَّه فاعل.
قوله: (لَا يَبْقَى) بفتح الياء والقاف.
قوله: (فَذَلِكَ) الفاء فيه جواب شرط محذوف، أي إذا أقررتم ذلك وصحَّ عندكم فهو مثل الصَّلوات؟ وفائدة التمثيل التقييدُ وجعلُ المعقول كالمحسوس، وقال ابن العربي: وجه التمثيل: أنَّ المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهِّره الماء الكثير، فكذلك الصَّلوات تطهِّر العبد عن أقذار الذنوب حتَّى لا تبقي له ذنبًا إلَّا أسقطته وكفَّرته.
فإن قلت: ظاهر الحديث يتناول الصَّغائر والكبائر؛ لأن لفظ الخطايا يطلَّق عليها.
قال العَيني: روى مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: «الصَّلواتُ الخمسُ كفَّارةٌ لما بينها ما اجتنبت الكبائر»، وقال ابن بطَّال: يؤخذ من الحديث: أنَّ المراد الصَّغائر خاصَّة؛ لأنَّه شبَّه الخطايا بالدرن، والدَّرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والجراحات.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد بالدَّرن الحبُّ؟ قال العَيني: لا، بل المراد به الوسخ؛ لأنَّه هو الذي يناسبه التنظيف والتطهير، ويؤيِّد ذلك ما رواه أبو سعيد الخُدْري ﵁ إنَّه سمع رسول الله ﷺ يقول: «أرأيتَ لو أنَّ رجلًا كان له معتمَل، وبينَ منزلِه ومعتملِه خمسة أنهار، فإذا انطلقَ إلى معتملِه عمل ما شاءَ الله فأصابه وسخ أو عرق، فكلَّما مرَّ بنهر اغتسل منه» الحديث، رواه البزَّار والطَّبَراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يَسار عنه.
فإن قلت: الصَّغائر مكفّرة بنصِّ القرآن باجتناب الكبائر، فما الذي تكفِّره الصَّلوات الخمس؟ أُجيب: لا يتمُّ اجتناب الكبائر إلَّا بفعل الصَّلوات الخمس، فإذا لم يفعلها لم يكن مجتنبًا للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر، فيتوقف التكفير على فعلها. قال شيخنا: وقد أجاب عنه شيخنا البُلْقِيني بأنَّ السؤال غير وارد؛ لأنَّ مراد الله: أن تجنبوا، أي في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث: أنَّ الصَّلوات الخمس تكفِّر ما بينها - أي في يومها - إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث. انتهى.
وقد فصَّل الإمام البلقيني أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما ينحصر في خمسة:
أحدها: ألَّا يصدر منه شيء البتَّة، فهذا يعاوض-أي: يعوض - برفع الدَّرجات.
ثانيها: يأتي بصغائر بلا إصرار، فهذا تكفَّر عنه جزمًا.
ثالثها: مثله، لكن مع الإصرار، فلا يكفَّر إذا قلنا: الاصرار على الصَّغائر كبيرة.
رابعها: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائرَ.
خامسها: أن يأتي بكبائر وصغائر، وهذا فيه نظر محتمل إذا لم يجتنب الكبائر ألَّا تكفِّر الكبائر بل تكفِّر الصَّغائر، ويحتمل ألَّا تكفِّر شيئًا أصلًا، والثاني أرجح؛ لأنَّ مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهة لا يُعمل به، فهنا لا يكفِّر شيء، إما لاختلاط الكبائر والصغائر، أو لتمحض الكبائر، أو تكفِّر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين
فلا يعمل به، ويؤيِّده: أنَّ مقتضى تجنب الكبائر أنَّ هناك كبائر، ومقتضى (ما اجتُنِبَت الكبائر) أنَّ لا كبائر، فيُصان الحديث عنه.
قوله: (بِهَا) أي بالصلوات، ويروى: (بِهِ) بتذكير الضَّمير، أي بأداء الصَّلوات.
قلت: فيه استحباب الوعظ، وأن الواعظ يمثل بالأشياء المحسوسة للمعاني المعقولة ليفهم السَّامع، وفيه أنَّ الذُّنوب تؤثِّر في الإنسان كما يؤثِّر الوسخ في الثَّوب، قال الله تعالى: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوْبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُوْنَ﴾ [المطففين: ١٤]، والرين يعلو القلب كالصدأ، فإن تداركه الإنسان بالجلاء بالتوبة والذكر انجلى، وإن تركه حتَّى تراكم وكثر ولم يتب يخاف عليه ألَّا يصلحه إلَّا النَّار كالحديدة إذا تراكم عليها الصَّدأ، وانظر في الحديث تجد الصَّلوات الخمس فيها تداركٌ مع قرب عهد، والله أعلم.
وفيه أنَّ المتكلِّم بالعلم مع غيره يطلب منه الموافقة على المقدِّمات المتَّفق عليها ليفهم القياس، وفيه أنَّ الحسنات يذهبن السيئات، وفيه ردٌّ على من يوجب العقاب على العاصي بقدر معصيته. انتهى.
(٧) (بَابٌ في تَضيِيعِ الصَّلاة عَن وَقْتِها) أي هذا باب في بيان تضييع الصَّلاة عن وقتها، وتضييعها: تأخيرها إلى أن يخرج وقتها، وقيل: تأخيرها عن وقتها المستحبِّ، قال العَيني: والأوَّل أظهر؛ لأن التضييع إنَّما يظهر فيه، وهذه الترجمة إنَّما تثبت في رواية الحموي والكُشْمِيهَني، وليست بثابتة في رواية الباقين.
٥٢٩ - قوله: (حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ) أي المِنقَري التَّبوذكي.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ) أي -بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدَّال المهملة- ابن ميمون أبو يحيى، مات بالمدينة سنة اثنتين وسبعين ومائة.
قوله: (عَنْ غَيْلَانَ) أي -بفتح الغين المعجمة- ابن جرير.
قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابن مالك ﵁.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الإفراد في موضع، وبصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أنَّ إسناده كلُّهم بصريون.
قوله: (قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا ممَّا كَانَ عَلى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ قَبْلَ الصَّلَاةِ، قَالَ: أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيْهَا؟).
وجه مطابقته للترجمة في قوله: (أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيْهَا؟) يعني: من التضييع.
هذا الحديث من أفراد البخاري.
قوله: (قِيْلَ: الصَّلَاةُ) أي قيل له: الصَّلاة هي شيء مما كان على عهد النَّبِيِّ ﷺ وهي باقية، فكيف تصدق القضيَّة السالبة عامَّة. قال شيخنا: وهذا الذي قال لأنس ذلك يقال له: أبو رافع، بيَّنه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن رَوْح عن عُثْمان بن سعد عن أَنَس فذكر نحوه، فقال أبو رافع: يا أبا حمزة، ولا الصلاة؟ فقال له أنس: قد علمتم ما صنع الحجَّاج في الصَّلاة. انتهى. فأجاب أَنَس بقوله: أليس صنعتم ما صنعتم فيها؟ يعني: من تضييعها، وهو خروجها عن وقتها. وقال المُهَلَّب: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحبِّ، لا أنَّهم أخرجوها عن الوقت، وتبعه على هذا جماعة.
قال العَيني: الأصحُّ ما ذكرناه؛ لأنَّ أنسًا ﵁ إنَّما قال ذلك حين علم أنَّ الحجَّاج والوليد بن عبد الملك وغيرهما كانوا يؤخِّرون الصَّلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزَّاق عن ابن جُرَيج عن عطاء قال: أخَّر الوليد الجمعة حتَّى أمسى، فجئت فصلِّيت الظُّهر
1 / 45