Mujallar Tarihin Misira Ta Da
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Nau'ikan
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله وأشكره، وأسأله السداد والتوفيق، والهداية إلى أقوم طريق. وبعد، فهذه محاولة جريئة أردت بها أن أجمع في مؤلف واحد تاريخ شعب عريق قديم، له عقيدته وفلسفته في الحياة، وله ثقافته ونظامه وطرائق معيشته، ولم أتخذ من تاريخ الفرعون نموذجا لتاريخ شعبه - كما جرت العادة بذلك في الكتب - ولم أجعل حياته وعاداته ونظمه وثروته ومعتقداته مقياسا للحكم على أحوال رعيته، فقد يكون الفرق بينهما كبيرا، والهوة سحيقة، بل جعلت حال الشعب أساسا لما كتبت، وفي ذلك ما يقربنا من الحقيقة، ويجنبنا مزالق الخطأ والضلال.
وإذا لازمنا التوفيق، وأمكننا أن نبني تاريخا من المادة التي وجدناها مبعثرة في مقابر الدولة القديمة ومعابدها، كان ذلك - من غير شك - أساسا متينا، ودعامة قوية لدرس كل مدنيات العالم؛ إذ إن مصر هي المنبع الأول الذي ظهرت لنا منه كتابات مدونة، في الوقت الذي كانت فيه كل ممالك العالم تقريبا تهيم على وجوهها في الغابات، وتتيه في المجاهل والأحراج، ومن هذه المدنية المصرية اغترف العبرانيون والإغريق والآسيويون، ومن ثم تسربت إلى أوروبا.
وإنك لتجد فارقا واضحا يفصل بين المدنية المصرية القديمة وبين ما عداها من مدنية الإغريق وغيرهم، ذلك أن المصري كان يفكر دائما في دائرة الحس، ولا يسمح لعقله بأن يحلق في أجواء المعقولات والمعاني، فهو لا يؤمن بالحب وإن كان يقدس المحبوب، ولا يعرف الشجاعة ولكنه يقدر الرجل الشجاع، وتبعا لطريقته هذه في التفكير كان لا بد له من أن يجسم آلهته ويصورها، ويتخذ لها من الحيوان والكائنات مظاهر يقدسها ويعبدها مع اعتقاده بالوحدانية، ويظهر أن شمس مصر الحارة التي كانت تلهب جسم المصري، وتشعره دائما بوجودها، هي التي أرهفت عنده قوة الحس، كما أن انتقابها واحتجابها في أوروبا مال بالأوروبيين عن محيط المحسوسات إلى المعقولات.
ولقد اقتصرنا في تاريخنا على الدولة القديمة وبداية العهد الإقطاعي لاتساع الموضوع وتشعب نواحيه وضرورة الإلمام بجميع أطرافه، ولم نستطع أن نجزم في كثير من الأمور برأي قاطع؛ لأن هناك تراثا تحت الأرض لما يكشف عنه الزمن، ولم يسمح لنا القدر بالتعرف عليه، وإذاعة ما طواه من خبر يقين وسر دفين، ومن التجديف والجرأة أن نقدمه للقراء حقيقة ثابتة، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
وهناك موضوعات جديدة حاولت سبكها على غير مثال سابق، بل لم يطرق الكثير منها من قبل لقلة المصادر وغموضها، فأطلقنا للخيال بعض الحرية، لينسج من العناصر التاريخية القليلة التي وجدناها عن هذه الموضوعات ثوبا قشيبا تظهر به بين أترابها من الموضوعات التاريخية الأخرى، ونقصد بذلك أن نكسو عظام الحقائق التاريخية الجافة لحما، ثم نبعث فيها روحا يحركها، فتصبح حية يراها القارئون ويتمثلونها.
وإن من يعرف اللغة المصرية القديمة، وصعوبة فهمها، واحتمال اللفظ كثيرا من المعاني يلتمس العذر لعلماء الآثار في اختلافهم وتعدد آرائهم وتباين مذاهبهم في موضوعات كثيرة، على أنا أوردنا أقوم هذه الآراء وأقربها إلى المنطق والعقل وأقواها حجة ودليلا.
ولقد آثرت الأسلوب السهل في إبراز موضوعات هذا الكتاب، لوعورة موضوعاته ولتنساب المعاني إلى ذهن القارئ في غير إجهاد فكر أو إعمال عقل، ومن الأسف أن قليلا من الكلمات الأعجمية أو العربية المحرفة قد أضطرني إلى الاعتراف به واستعماله، حينما وجدت رديفه العربي غريبا أو قليل الاستعمال.
ولقد كانت رغبتنا في أن يبدو كل موضوع من موضوعات الكتاب وحدة متماسكة مكتملة الأجزاء، ظاهرة الاستقلال بجميع عناصرها، سببا في أن نتعرض إلى بعض الحقائق التاريخية أكثر من مرة ملمحين إليها، أو مارين بها، أو مسهبين في ذكرها حسبما يقتضيه المقام.
ومن الواجب علي هنا أن أعترف بالمساعدة العظيمة التي قدمها لي كل من الأستاذ محمد النجار مدرس اللغة العربية بمدرسة شبرا الابتدائية والأستاذ عبد السلام عبد السلام، فقد عني الأول بقراءة النسخة الخطية ومراجعتها من الوجهة النحوية بقدر ما سمحت به الظروف، أما الثاني فقد تعهد قراءة تجارب الكتاب كله ووضع الفهرس له، وساهم في إنجاز طبعه بسرعة. هذا وإني لأشكر صاحبي مطبعة كوثر على عنايتهما بطبع الكتاب طبعا جميلا في تلك الظروف الدقيقة.
Shafi da ba'a sani ba