Mujallar Tarihin Misira Ta Da
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Nau'ikan
الفصل الحادي عشر
نظرة إجمالية في أصول الديانة المصرية
تكلمنا فيما سبق عن أصل المقاطعات، وكذلك بحثنا في موضوع بعض الآلهة التي كانت تعبد فيها ببعض الاختصار، والآن نعود فنتكلم عن الديانة المصرية عامة وعلاقتها بعبادة آلهة المقاطعات؛ إذ في الواقع نجد أن ديانة القوم أساسها ديانات المقاطعات المختلفة، وذلك أمر بديهي لأن القطر كان يتألف من وحداتها، ولا جدال في أن كل إله كانت له منطقة نفوذ ثابتة محدودة في بادئ الأمر، وكان سلطانه فيها هو السائد، وكان كل إله مقاطعة يطلق عليه في معبده أو مدينته اسم رب المعبد أو رب المدينة حسب الأحوال، ومن ذلك يتضح لنا أنه لم تكن المنطقة التي يسيطر عليها الإله تتألف من قبيلة ذات عصبية واحدة، بل من أهل المنطقة التي كان يوجد فيها هذا الإله وممن يحتمون في سلطانه، وبجانب هذه الآلهة الرئيسية عدد عظيم في كل مكان من الآلهة الأخرى ذات الأهمية النسبية، غير أنها كانت تشاطر الإله الأعظم العبادة بصفتها إما زوجة له أو ابنا، وأحيانا كان لها عبادة مستقلة وسلطان، وسنذكر هنا بعض الأمثلة مؤثرين أكثرها أهمية وأرفعها مقاما، ففي منطقة «العرابة» مثلا نجد الإلهة «حكت» التي كانت تتقمص ضفدعة لها أهمية عظيمة بصفتها آلهة السحر وإلهة الولادة والبعث.
إذ كان يعتقد أنها تحضر ولادة الشمس كل يوم على رأي أحد المذاهب الدينية، وفي المقاطعة الثانية عشرة كان يعبد الطائر مالك الحزين الذي سماه اليونان «الفنكس» واسمه بالمصرية «بنو»، وكان مقر عبادته وتقديسه «عين شمس» وكهنة هذه الجهة كانوا يرون فيه إما الإله «أوزير» أو «روح» الإله «رع»، والفكرة الأخيرة كانت السائدة في عين شمس، وما معلمه عن هذا الإله على وجه التحقيق أنه يلد على شجرة في معبد عين شمس، ومن المحتمل أنها الشجرة القديمة المقدسة التي كان الآلهة يكتبون على أوراقها أسماء الملوك تخليدا لذكراهم ويقال إن الشجرة التي تزار الآن بجهة «عين شمس» هي من نسل هذه الشجرة المقدسة، وكذلك نجد في طيبة الإلهة العظيمة «موت ورت» أي الأم العظيمة وتقدس بصفتها زوجة للإله آمون، وكذلك نجد «خنسو» (القمر وهو ابن موت وآمون)، ومنهم جميعا تألف ثالوث طيبة يضاف إلى هذا إله الحرب «منتو»، وكان يعبد في هذه الجهة، وأصبح له شأن عظيم في التاريخ المصري، وكان في هذه الجهة كذلك إلهة على هيئة جاموس البحر «توريس». ويعتقد أنها الإلهة التي تساعد الحامل على الوضع، وربما كان هذا هو السبب في تصويرها بهيئة تشعر بذلك، وفي أماكن أخرى نجد الإلهة «سكلت» التي كان من وظائفها المحافظة على أحشاء المتوفى، وترسم على شكل امرأة برأس عقرب، وقد جاء ذكرها على مقابر أشراف الأسرة الرابعة في منطقة الأهرام.
على أن وجود هذه الآلهة وتأثيرها في الديانة كان ينحصر في معابدها وفي شكل عبادتها، ومن ذلك يمكننا أن نحدد ماهية كل إله، ولا نزاع في أن أهم عمل كان يقوم به الإله نحو أتباعه هو أن يمنحهم أو يحرمهم الأشياء الضرورية للحياة العامة، أما الملوك فكانوا يتطلبون منه الحياة والصحة والثبات والنصر والسعادة، والواقع أن كل الآلهة نشأت من طينة واحدة، ولا يختلف بعضها عن بعض إلا بمعابدها وبالرمز الذي كان يخصص لكل وبالرسميات التي كانت تعمل لكل عند إقامة الشعائر الدينية، وبالأعياد التي كان يحتفل بها، وفي النهاية بالأسماء والألقاب التي تميز كل إله عن غيره، على أنه يلاحظ أن أسماء الآلهة كانت في الواقع تعد شيئا ثانويا؛ إذ كثيرا ما يكون اسم الإله مشتقا من صفات الإله أو منسوبا للمدينة التي يعبد فيها، وقد وجدنا من بين آلهة المصريين آلهة لم يصل المصري إلى وضع أعلام لها قائمة بذاتها، ولذلك كان ينسبها كما ذكرنا إلى المكان الذي كانت تعبد فيه، فيقال مثلا «التابع لتاتننت» وهذا اسم إله بالقرب من منف، ويعد مظهرا من مظاهر الإله «فتاح» ويقال: تيس «زدد» وهو إله يعبد في بلدة منديس «تل الربع الحالية»، ويرسم على شكل تيس كما ذكرنا آنفا، وكذلك يقال للإله «حرشف»: (الذي على بحيرته) وللإله «أوزير»: الذي في «زيتونته». كما يقال لإله الموتى «خنتي أمنتي»؛ أي الأول بين الذين في الغرب (وهو إله من فصيلة الكلب بينه وبين الإله أنوبيس قرابة عظيمة)، وأخيرا الإله العظيم «في الغرب»، وهذان الإلهان الأخيران قد وحدا فيما بعد مع الإله «أوزير».
وكذلك الإله «وبوات» (فاتح الطرق) فإنه اسمه ليس باسم علم حقيقي؛ لأن واحدا من هذه الآلهة التي على شكل الذئب كان يطلق عليه اسم «ست» ولكنه اختفى منذ الأزمان الأولى من بين حيوانات القطر.
والآلهة عند قدماء المصريين كائنات معينة معروفة اتخذ كل منها شكلا ثابتا باقيا لا يتغير، وقد انفصلت هذه الآلهة عن عالم الأشباح أو الأرواح التي يخطئها العد، وهذه الأرواح أو الأشباح (الجن) تلعب دورا هاما عظيما في مظاهر الديانة المصرية، وتبرز بدورها الهام في السحر الذي كان له تأثير خطير جدا في العقائد الدينية في كل عصور التاريخ في البلاد، ومن بين المظاهر العدة المحسوسة التي تتجلى فيها هذه الأرواح أو الأشباح المقدسة الحيوانات، وهي إما منزلية أليفة تعيش مع الإنسان، وتقوم له بخدمات عظيمة لا تنقطع، أو متوحشة ضارية تفتك به فيخاف شرها وبأسها، وأهم حيوانات النوع الأول وأجدرها بالذكر الثور، والبقرة، والتيس، والكبش. والظاهر أن الإله كان في العادة ينتخب ذكر هذه الحيوانات ليتقمصه، وأحيانا كان الإله يتقمص بعض الطيور كالإوزة، كما نشاهد في حالة «جب» إله الأرض، فإن روحه تقمصت إوزة، أما أهم حيوانات النوع الثاني فهو الأسد، والتمساح، وجاموس البحر، والثعبان السام، والأفعى، وكان الإنسان يسعى لاتقاء خطر هذه الحيوانات والحشرات التي كان يقع بصره عليها في البر والبحر، والظاهر أنه كان يرجع سبب قوتها وفتكها بجنسه إلى أن الإله قد حل فيها، وأنه إذا استعطفها وقدم خضوعه وقرب إليها القربان نجا من مخالبها وشرورها، فمثلا نرى الذئب يعبد لأنه كان يسكن البقاع الجبلية القريبة من الجبانة، وكان يعيش على نبش القبور، فإذا قرب له الإنسان القرابين عدل عن أكل موتاه، وأكبر جبانة من هذا النوع جبانة أسيوط، كما كان يعبد ويقرب له القربان لسبب آخر هو ألا يسطو على غنم القوم، وهكذا كان الحال مع ابن آوى الذي كان يعبد باسم الإله «أنوبيس»، على حين أن الكلب يعد حارسا للماشية، ولذلك كان يقدس، وكان هناك صنف آخر من الحيوان مثل القطط وغيرها، كان لا يضر، ولكنه كان يعبد؛ لأن فيه قوة سحرية خاصة وسرية. وأهم هذه الحيوانات القردة والأسماك والطيور، ونخص بالذكر منها الطائر «إبيس» «أبو منجل» ومالك الحزين «الفنكس»، والصقر والنسر والضفدعة والجعل ... إلخ، وسيأتي الكلام عن كل في حينه.
على أن عبادة الأشجار لم تكن نادرة في مصر، فمثلا نجد شجرة الجميز كانت مأوى للإلهتين «نوت» و«حتحور»، وكذلك شجرة السروكان يحل فيها روح الإله «مين»،
1
وقد كان وجود أي شجرة من هذه الأشجار في مكان ما يجعلها موضع تقديس، لأن روح الإله الذي هي رمز له كانت تسكن فيها.
Shafi da ba'a sani ba