قَالَ ﷺ: " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " وَبَعْدَ مَدِينَتِهِ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْبِقَاعِ الثَّلَاثِ فَالْمَوَاضِعُ فِيهَا مُتَسَاوِيَةٌ إِلَّا الثُّغُورَ فَإِنَّ الْمُقَامَ بِهَا لِلْمُرَابَطَةِ فِيهَا فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ: " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بَعْدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مُتَمَاثِلَةٌ، وَلَا بَلَدَ إِلَّا وَفِيهِ مَسْجِدٌ فَلَا مَعْنَى لِلرِّحْلَةِ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَصِحَّةُ أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتُهُ وَمَحْظُورَاتُهُ
أَمَّا الشَّرَائِطُ: فَشَرْطُ صِحَّةِ الْحَجِّ اثْنَانِ: الْوَقْتُ وَالْإِسْلَامُ، فَيَصِحُّ حَجُّ الصَّبِيِّ وَيُحْرِمُ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَيُحْرِمُ عَنْهُ وَلَيُّهُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَيَفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ فِي الْحَجِّ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْوَقْتُ فَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهِيَ عُمْرَةٌ، وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتُ الْعُمْرَةِ.
وَأَمَّا شُرُوطُ وُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْوَقْتُ.
وَأَمَّا شَرْطُ لُزُومِهِ: فَالِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمُبَاشَرَةُ وَذَلِكَ لَهُ أَسْبَابٌ:
أَمَّا فِي نَفْسِهِ فَبِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا فِي الطَّرِيقِ فَبِأَنْ تَكُونَ خِصْبَةً آمِنَةً بِلَا بَحْرٍ مُخْطِرٍ وَلَا عَدُوٍّ قَاهِرٍ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَبِأَنْ يَجِدَ نَفَقَةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ إِلَى وَطَنِهِ، وَأَنْ يَمْلِكَ نَفَقَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَأَنْ يَمْلِكَ مَا يَقْضِي بِهِ دُيُونَهُ، وَأَنْ يَقْدِرَ عَلَى رَاحِلَةٍ أَوْ كِرَائِهَا بِمَحْمَلٍ أَوْ زَامِلَةٍ إِنِ اسْتَمْسَكَ عَلَى الزَّامِلَةِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: فَاسْتِطَاعَةُ الْمَعْضُوبِ بِمَالِهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجِيرِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِنَفْسِهِ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَهُ التَّأْخِيرُ وَلَكِنَّهُ فِيهِ عَلَى خَطَرٍ، فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ وَلَوْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَقِيَ اللَّهَ ﷿ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْحَجِّ، وَكَانَ الْحَجُّ فِي تَرِكَتِهِ يُحَجُّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ مَعَ الْيَسَارِ فَأَمْرُهُ شَدِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ; قَالَ «عمر» ﵁: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي الْأَمْصَارِ
1 / 65