فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك ... أنا أشهد أنه رسول الله.
ومن أعمام رسول الله غير حمزة والعباس رجلان لم يسلما؛ وهما: الزبير وعبد العزى أبو لهب، وكلاهما كان يحتفي بالطفل الصغير ويدلله ويواليه بالسؤال عنه، وكان الزبير يرقصه بأبيات الشعر يرجو له طول العمر والنجابة، ووهب له أبو لهب جاريته ثويبة ترضعه وتخدمه في طفولته. ولا نعرف من أخبار الزبير ما ينبئ عن صفاته وكفاياته، وأما أبو لهب فالمعروف عنه - ولا سيما في علاقاته بابن أخيه بعد الدعوة - غير قليل.
كان بنو هاشم وبنو المطلب جميعا في نصرة النبي من آمن منهم به ومن لم يؤمن، ما عدا أبا لهب وبنيه، وفيه نزلت الآيات:
تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد [المسد: 1-5].
وتعليل هذا الشذوذ أنه من لوازم الأسر الكبيرة التي لا تشذ منها أسرة ذات خطر في التاريخ، فهو هنا القياس المطرد مع طبائع الأمور، كان من علله أنه يدعى بعبد العزى؛ يتعصب لها ويغضب أن يحسب أحد أمامه أن عبادتها مرهونة بحياته كما تقدم.
وكان من علله أنفة الكبير أن ينقاد للصغير، ولا ننسى أنها أنفة لا تستغرب في عشائر البادية، وعشائر الرئاسة منها على التخصيص، ومن استغربها فليذكر أن العباس وحمزة - عمي الرسول اللذين أسلما - كانا من لداته عليه السلام، إلا سنوات ثلاثا أو أربعا تقدم بها العباس، فكان لها أثرها في تأخير إسلامه سنوات.
وكان من علل ذلك الشذوذ أنه كان على حلف ومشاركة لبيوتات قريش كلها؛ لكثرة ماله وسعة تجارته وأعماله، وقد قال للنبي في مجمع الأسرة: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلم ودع الصبأة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب، فما رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئتهم به.
وفي مجلس آخر قال له أبو طالب: هؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت؛ فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
قال أبو لهب : هذه والله السوءة؛ خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم. وانفض المجلس على غيظ يكظمه أبو لهب، وعهد يبرمه أبو طالب ويقول فيه مقسما: والله لنمنعنه ما بقينا.
وهذا هو الهوى الذي يزين لصاحبه أن يسوقه مساق الحكمة والحيطة، فيزعم أنه يدفع الشر عن ابن أخيه وعن قومه، ويجنبهم ما لا يطيقونه من جهاد العرب، وإنه في طويته ليأنف أن ينقاد لمن هو أصغر منه، ويخشى ما يصيبه من جراء انقياده لو سلست له كبرياؤه. •••
Shafi da ba'a sani ba