وإذا أراد أن سبب الضرر وعلوه وارتفاعه، هو الإسقاط لذلك الظلم، كما دلت عليه آنفا، ولما مر كلامه، لا جور الولاة وإهمال الحدود، فهذا قول يدفع بعضه بعضا، ويعقب الإبرام فيه نقضا. فإنه إذا ثبت أن أخذ المال في ذلك ظلم، كما دل عليه سابق كلامه، فإسقاط الظلم واجب في جميع الملل، لا تختلف فيه أمة من الأمم، وذلك معلوم من الأديان بالضرورة، لا يقبل نسخا ولارفعا، ولايجوز أن يكون دينا ولا شرعا، ومنكر ذلك والشاك فيه كافر. فإذا ثبت أنه محرم بإجماع، وكل محرم مأمور بتركه، وكل مأمور بتركه فالأمر به عدل، أن الله يأمر بالعدل والإحسان، والعدل مالا ضرر فيه ولاحيف. وإذا كان ترك عدلا في حكمه تعالى، امتنع أن يحدث منه ضرر، فضلا عن علوه وارتفاعه، لأنه لو حدث منه الضرر العالي المرتفع، لم يكن عدلا، وما ليس بعدل فهو جور، فيلزم أن يكون العدل عند الله جورا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. من اعتقد هذا فقد جهل الله في علمه، وجوره في حكمه، وغنما نشأ هذا من اعتقاد أن إسقاط الخطايا هو السبب في كثرة الفساد. إنما السبب في ذلك، هو ترك الحدود بالرشا، وإهمال العباد. هل الخير كله إلا في العدل، وهل الشر كله إلا في الجور؟، وهذا اعتقاد ينزه عنه كل ذي قلب سليم، والله يدعو إلى دار السلام، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال: فأعاد ذكر المسألة في المجلس المذكور في أوائل من محرم فاتح عام ثمانية وعشرين وثمانمائة، لينظر حسم (6 = 18 /أ) هذا الباب وقطعه، لعظيم مصيبته.
أقول: مراده بهذا الباب الذي وصفه بعظيم المصيبة، والله أعلم، هو ما أشار إليه من كثرة الضرر وعلوه وارتفاعه عند إسقاط الخطايا.
قال: منحه الله التوفيق، وهدانا وإياه إلى أقوم طريق : فقال بعض من ينتمي للطلب بسد الباب.
Shafi 95