صارت قِنَّسْرين مضافة إلى حَلَب في أيام بني العباس، وافتتحت في سنة ست عشرة من الهجرة، وقيل سبع عشرة وقيل خمس عشرة، وبينها وبين قِنَّسْرين اثنا عشر ميلًا تزيد أو تنقص قليلًا، وهي من الإقليم الرابع أعدل الأقاليم إقليمًا، ولذلك
أهلها أنضر الناس وجوهًا، وأصحهم جسومًا، وقبلتها موافقة لقبلة دِمَشْق الشَّام، ولها من الكور والضياع العظام ما يجمع سائر الغلات النفيسة كالفستق وحبة الخضراء والزيتون والتين، وكانت من أكثر البلاد أشجارًا وأحسنها بساتين، فأفناها كثرة وقوع الخلاف بين الملوك والسَّلاطين. وقلعتها حصينة مانعة شامخة عالية واسعة، يعجز عن مثلها الرائد، وتمتنع على الطالب والقاصد، تكاد تناطح نجوم الجوزاء وتتجاوز كرة الهواء وتناجي أبراجها بروج السماء، ويحيط بها خندق عظيم مملوء على الدوام، وبها بباب المقام بها مقام إبراهيم ﵊، وبها كتابات قديمة رومانية من ذلك ما على الرخامة البيضاء التي هي الآن بالمدرسة الحلاوية، وهي شفافة إذا جعل تحتها نور ظهر من أعلاها أو جعل في أعلاها بان من أدناها، وعليها كتابة سريانية عُرِّبَت، فإذا هي: عُمِلَ هذا للملك قلطيانوس والنسر الطائر في رابع عشر درجة من برج العقرب، فيكون مقدار ذلك إلى تعريبه ثلاثة الآف سنة، وهذا اللوح أحضره السُّلطان الملك العادل نور الدِّين الشهيد من فَامِيَة، وكان يحشي فيه القطايف للفقهاء، وطوله يزيد على ثلاثة أذرع، وعرضه على ذراعين، وقد بذل الفرنج فيه مالًا جزيلًا فلم يجابوا إليه. ومن محاسنها جبل
1 / 73