مال النسيم بقضيبه فتمايلت ... مهتزة الأعطافِ والأجيادِ
هذي تودعُ تلك توديعَ التي ... قد أيقنت منها بوشك بِعادِ
واستعبرت بفراقها عين الندى ... فابتلّ مئزرُ غصنِها المَيّادِ
فبتنا في ذلك المنزل المعظم القدر ليلة الخميس حادي عشر، وهي في أرجح مَيْلَيّ الإمام الشَّافِعيّ ﵁ ليلةُ القدر، وقلت من أبيات:
وقرية صرغايا المعظمةُ القدرِ ... نزلنا بها في مرجها ليلةَ القدر
ثم رحلنا منها وقد بزغ القمر بين النجوم كالملك لابس التاج، مرتديًا بين عساكره
بأبيض الديباج، وقد عوَّض نوره وأغنى في الحالين عن السراج، فسلكنا مسالك سهلة ثم أدركنا مدارك مستصعبة وأعقبنا رقي عقبة، وما أدريك ما العقبة، هي عقبة الرُّمَّانة التي منها القلوب ملانة، ذات مدارجَ وَعِرة، ومناهِجَ عَسِرَة، ومهاد ومشارف، ومثان ومعاطف، تخلع القلب وتقطع النِيَاط، وتذكر بالحشر والحساب والصراط، فزاد حَزْنُها على الفؤاد أحزانه، ورادف بثه وأشجانه، ثم قطعناها عند الصباح، وسرنا في مهامة فيحٍ وفيافٍ فساح، ولم نزل في إتهامٍ وإنجاد، وصعود ربوة وهبوط واد، حتى انتهينا إلى واد كبير، ذي منظر نضير، وعشب كثير، وعينان تجريان على صخر بماء زلال خصر نمير، كما قيل:
1 / 38