هل سمعت بهذا يا جوف. أرأيت بأي صلف وحنق نبذت، وبأية إهانة أساءت إلي هذه النمرة البغيضة التي قتلت ولديها! ولكن - برغم هذا - سأرثيهما ما استطعت وما وسعتني قواي، وسأقبع هنا وأبكيهما، وأشهد الآلهة المنتقمة على أنك بعدما قتلت ولدي أنكرت علي أن أمس جسديهما وأن أودعهما القبر. وددت لو أني لم أعقبهما حتى أراهما هكذا يقتلان على يديك.
الجوقة :
إن جوف في السموات العلا يقسم علينا مختلف المصائر. والآن تمطرنا الآلهة بالنعم التي لم تجرؤ أن تطمح إليها آمالنا، وهي الآن تكبح الشرور التي كنا نحسب ألا مناص منها، وهكذا قدر الله لهذين الزوجين عاقبة لم تدر لنا بخلد. وهذا هو مصير هذا اليوم المريع.
هبوليتس
تمهيد
قام هركيوليز على رأس حملة على أمازون، وصحبه في هذه الحملة ثيسيوز. وفي أثناء القتال التقى ثيسيوز بهبوليتا وشغفها حبا، وهامت به وهام بها، فتزوج منها وعادا معا إلى أثينا. وولدت له طفلا أسمته هبوليتس. وتولى تربية هذا الأمير بثيوز الفيلسوف، فنشأ الغلام كريما كأبيه، طاهرا كأمه، واتصف بالشجاعة، وتحلى بكل فضائل الرجولة. ولم يكن به سوى عيب واحد أودى بحياته في نهاية الأمر، كان كريما سمحا للناس جميعا، غير أنه كان يبغض النساء، ولا تجد عاطفة الحب الجنسي الرقيقة إلى قلبه سبيلا، ثم إنه يقدس الآلهة جميعا، ويخص منها بعبادته ديانا، ويستثني فينس إلهة الحب ويهملها ولا يأوي إلى معابدها، فغضبت منه هذه الإلهة وعملت على موته. ويرمي الكاتب من وراء هذا إلى استحالة إغفال الغريزة الجنسية، ويقصد أن ينبهنا إلى عدم التقصير في أية ناحية من نواحي الدين، وأن يعنى بنو وطنه بالآلهة جميعا، فيجعل فينس تقول:
أولئك الذين يقدمون لي فروض الطاعة ويعترفون لي بالسلطان ينالون مني الشرف والإكرام. أما أولئك الذين يشمخون بأنوفهم علي كبرا وصلفا، فلهم مني شديد العقاب، لأنا معشر الآلهة كبني الإنسان تبتهج قلوبنا حينما يتقدم لنا الأحياء خاضعين خاشعين.
وماتت هيوليتا وتزوج ثيسيوز من فيدرا ابنة مينس ملك كريت. وما إن وقعت عينا هذه الأميرة على الأمير الشاب - هبوليتس - حتى هامت به وشغفته حبا، ولكنها أخفت عاطفتها؛ لأنها كانت تدرك أنها عاطفة غير نبيلة، كما كانت تحس بكرامتها، وتخشى الفضيحة والعار. وحاولت أن تحكم عقلها وفضيلتها في هذه العاطفة الجامحة. ولما لم تستطع هذا عزمت أن تقتل نفسها. وهي إلى هذا الحد بريئة وإن تكن عاثرة الجد. وقد أججت هذه العاطفة في صدرها فينس انتقاما من هبوليتس الذي كانت تمقته لإهماله إياها.
وأخيرا استطاعت مربية فيدرا أن تظفر منها بالسر الذي كانت تكنه في صدرها، وأفضت به إلى الفتى رغم تحذير مولاتها الشديد. فارتاع هبوليتس لهذا النبأ وأعلن سخطه على شعور فيدرا الذي يناقض كرامة الأخلاق. وهكذا ذاع سر فيدرا، فصممت على الانتحار السريع، ولكنها أرادت أن تبرئ نفسها مما قد ينسب إليها بعد موتها، فكتبت رسالة وأمسكت بها في يدها قبل أن تموت، واتهمت هبوليتس إلى أبيه أنه اعتدى على فراشها عنوة. وهكذا تنتهي هذه المأساة التي كان مبعثها صراع بين عاطفة دنيئة وعقل نبيل؛ فقد كانت فيدرا امرأة فاضلة تخشى الفضيحة والعار، ولكنها لم تخل من حقد تحمله في قلبها لهبوليتس لإعراضه عنها وإهماله إياها. وقد أرادت باتهامها هذا الأمير الشاب أن تموت نبيلة موفورة الكرامة، وألا يلحقها العار والشنار، وألا تسيء إلى شرف أبنائها أو أهلها الأكرمين. ولكن هذا الاتهام الباطل يدل على أن الرذيلة إذا لم تقمع في أول أمرها، اشتد إلحاحها ومازجتها ثورة الغضب، وانتهت بإطفاء جذوة الفضيلة، وكانت العاقبة وخيمة وبيلة.
أشخاص الرواية
Shafi da ba'a sani ba