تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مصرع كليوباترا
مصرع كليوباترا
تأليف
أحمد شوقي
تمهيد
زمن الرواية:
الأيام الأخيرة في حياة كليوباترا حوالي سنة 30 قبل الميلاد بين وقعة «أكتيوم» البحرية وانتحار كليوباترا.
مكانها:
في الإسكندرية وأرباضها.
أشخاصها:
الأشخاص التاريخية:
كليوباترا.
مارك أنطونيوس.
أكتافيوس قيصر.
قيصرون:
ابن كليوباترا من يوليوس قيصر.
الأشخاص الموضوعة:
أنوبيس:
الكاهن الأكبر.
زينون:
أمين مكتبة قصر كليوباترا.
حابي، ديون، ليسياس:
مساعدو زينون.
هيلانة:
وصيفة كليوباترا وبينها وبين حابي غرام.
شرميون:
وصيفة أخرى.
أوروس:
روماني في معية أنطونيوس وهو عبده وتابعه وصفيه.
أولمبوس:
طبيب روماني في بلاط كليوباترا.
أنشو:
مضحك الملكة.
غانميز:
ساقيها.
حبرا:
عرافها.
أياس:
شاديها.
أخيل:
قائد الأسطول المصري وربان أنطونياد سفينة كليوباترا.
بولا:
شاعر.
أغا القصر.
النكرات المسرحية:
جنود وقواد مصريون ورومانيون. راقصات. عزاف.
الفصل الأول
المنظر الأول «مقصورة من مقاصير البديع (قصر المعتمد بن عباد) في إشبيلية وإلى يمينها مصلى وفي مؤخرها ستار كبير يحتجب، وقد وقف على بابها جوهر حاجب ابن عباد، ولؤلؤ ساقيه، ومقلاص مضحكه.»
يومنا في أكتيوما
ذكره في الأرض سار
اسألوا أسطول روما
هل أذقناه الدمار! •••
أحرز الأسطول نصرا
هز أعطاف الديار
شرفا أسطول مصرا
حزت غايات الفخار •••
صارت الإسكندري
هي في البحر المنار
ولها تاج البريه
ولها عرش البحار •••
حابي :
اسمع الشعب (ديون)
كيف يوحون إليه
ملأ الجو هتافا
بحياتي قاتليه
أثر البهتان فيه
وانطلى الزور عليه
يا له من ببغاء
عقله في أذنيه
ديون :
حابي، سمعت كما سمعت وراعني
أن الرمية تحتفي بالرامي
هتفوا بمن شرب الطلا في تاجهم
وأصار عرشهم فراش غرام
ومشى على تاريخهم مستهزئا
ولو استطاع مشى على الأهرام
حابي :
أتذكر يا ديون إذا انطلقنا
إلى الميناء نلتمس الهواء
وكان البحر كالميت المسجى
وكان الليل للميت الرداء
ديون :
نعم وهناك آنسنا سحابا
وراء الليل جللت السماء
فقلت انظر ديون تر الجواري
يطأن الماء همسا والفضاء
وأقبلت البوارج بعد حين
سوائب لا دليل ولا حداء
رجعن رجوع قرصان أصابوا
من الغزو الهزيمة والبلاء
فلم نسمع لملاح هتافا
يبشر بالقدوم ولا نداء
ولم نر فوق سارية سراجا
ولا من ثقب نافذة ضياء
حابي :
فماذا قلت؟
ديون :
قلت ديون إني
أرى الأسطول بالويلات جاء
دخول الظافرين يكون صبحا
ولا تزجى مواكبهم مساء
فلما أصبح الصبح انتبهنا
نرى الأسطول أزين ما تراءى
تبرجت البوارج بعد عطل
وهزت في ذوائبها اللواء
وردد في المدينة أن روما
عفا أسطولها ومضى هباء
فضج الناس بالبشرى وكدوا
حناجرهم هتافا أو دعاء
هداك الله من شعب بريء
يصرفه المضلل كيف شاء
تدخل هيلانة
ليسياس (هامسا لحابي) :
حابي، صه قد ظهرت هيلانه
وأقبلت بالطلعة الفتانه
تنقح كالزنبقة الغيسانه
حابي :
ليسياس، أنهاك عن المجانه
هيلانة في القصر قهرمانه
لها وقار ولها مكانه
هيلانه :
سلام لك يا حابي
حابي :
سلام لك هيلانه
هيلانه :
أمرت أن أقول للأمين
ستحضر الملكة بعد حين
فبلغ الأمر إلى زينون
حابي :
سيدتي سأفعل
أمركما ممتثل
هيلانه :
تقرنني بربتي!
ذلك ما لا أقبل
حابي :
هيلان، أنت ملكتي
وأنت وحدك الملك
هيلانه :
بل كيلبترا وحدها
لم يحو شمسين الفلك
إن أنت لم تؤمن بها
فلست لي ولست لك (تخرج هيلانة ويدخل زينون من باب آخر في هيئة تفكير واضطراب)
حابي :
ذات الجلالة سيدي
قد آذنتنا بالزياره
زينون :
هذه حجرتها لا عدمت
طيب رياها ولا ضوء حلاها
كل يوم تتجلى ساعة
ها هنا كالشمس في عز ضحاها
تدخل الدار فتنسى ملكها
بلقاء الكتب أو تنسى هواها (محدثا نفسه في ركن قصي من أركان المكتبة):
أما الشباب فقد بعد
ذهب الشباب فلم يعد
ويحي أمن بعد السني
ن وقد مررن بلا عدد
أو بعد طول تجاربي
ومكان علمي في البلد
تجني الحسان علي ما
لم تجن قبل على أحد؟
ديون (هامسا إلى زميليه) :
حاب، ليسياس، أقسم
أن زينون مغرم
فضح الشيخ حبه
والهوى ليس يكتم
ليسياس :
بمن الشيخ مولع
ليت شعري متيم؟
ديون :
وبمن جن يا ترى؟
حابي (ضاحكا) :
كل خاف سيعلم
زينون (مستمرا في حديث نفسه) :
ما لي جننت فصرت أت
هم الشباب وأضطهد
لم ألق رأسا فاحما
إلا حملت له الحسد
ووجدت لاعج غيرة
بين الجوانح يتقد
فكأن ظلمة شعره
في مقلتي هي الرمد
وكأنما سرقت ذوا
ئبه شبابي المفتقد
ولو أن لي ولدا فما
ت لما بكيت على الولد
حذرا وخوفا أن يكو
ن بها تعلق أو وجد
شك يعذب مهجتي
إن المشكك في كبد (يلتفت إلى حابي ويطيل إليه النظر ثم يناديه):
حابي، بني (يأتي إليه حابي):
قل ولا
تخف علي، هل تحب؟
حابي :
أحب! من قال؟
زينون :
سمعت
حابي :
من روى لك الكذب؟
زينون :
بني، ليس بالفتى
إذا أحب من عجب
من لم يحب لم يؤ
د للشباب ما وجب
حابي (متهكما) :
لكن أأدعي الهوى
وليس لي منه سبب؟
زينون :
حابي، بني لا ترغ
من السؤال بل أجب
لولا الهوى لم تك في
ظل الشباب تكتئب
ما بال بشرك امحى
ولونك الغض شحب؟
وللدموع من مآ
قيك تكاد تنسكب؟
حابي (ساخرا) :
أفق زينون واصح من الغواني
أبعد الشيب تخدعك النساء؟
زينون (غاضبا) :
أتعلم يا غلام علي عشقا؟
حابي :
دع الإنكار قد برح الخفاء
زينون :
ومن أنباك؟
حابي :
أنت!
زينون :
وكيف؟
حابي :
تهذي
فتفضحك الوساوس والهذاء
كمحموم يبوح وليس يدري
تكشف عن سرائره الغطاء
أبعد العطف والإشفاق يشقى
بصحبتك الشباب الأبرياء؟
فكل فتى رأيت زعمت صبا
يخامره من الرقطاء داء؟
وما كعمى الشيوخ إذا أحبوا
وليس وراء غيرتهم بلاء
زينون (لنفسه) :
إلهي قد فضحت وضل شيبي
وضاعت حكمتي وخبا الذكاء (لحابي):
صدقت بني بي داء دخيل
وليس إلى الدواء لي اهتداء
علي تلوت الأفعى، فهل لي
من الأفعى ونكزتها نجاء؟
أرى ولها وأحسبه جنونا
كسانيه على الكبر القضاء
حابي :
وتعطى حين تلقاها ابتساما
وأنطنيوس يعطى ما يشاء
صباحهما مغازلة وصيد
وللأقداح والقبل المساء
أترضى أن يكون سرير مصر
قوائمه الدعارة والبغاء؟
أتهدم أمة لتشيد فردا
على أنقاضها؟ بئس البناء!
أبي، شيخي، اجترأت عليك فاصفح
فلم أك أجتري لولا الوفاء
لقد آن التكاشف والتواصي
بما توحي الكرامة والإباء
تعال إلى جماعتنا، فإنا
جنود الحق يجمعنا لواء
شباب نحن يعوزنا شيوخ
بهم في المدلهمة يستضاء
زينون :
كفى، إني نفضت يدي منها
ومزق عن بصيرتي الغشاء
حابي :
أبي زينون قد بحت
من السر بمكنوني
وما غيرك زينون
على السر بمأمون (يشير إلى ديون وليسياس):
أخي، هذا أثيني
وخلي ذاك مقدوني
كلا الخلين للحق
كما أدعوه يدعوني
كلا الخلين ذو جد
بأرض النيل مدفون
فليسا في هوى مصر
وفي طاعتها دوني
فدينا الوطن الغال
ي بالجنس وبالدين
ولم نصبر على حكم
لرومية ملعون
ولسنا حزب أكتاف
ولسنا حزب أنطون
ولا نخضع للبأس
ولا نخدع باللين
ولم يبق على الود
لروما غير زينون
زينون :
معاذ الله، عدوني
من العصبة عدوني
كساك الله يا روما
لباس الذل والهون
حابي :
أبي، أنت الطبيب وكل داء
له في صيدليتك الدواء
فهي لها ابن ساعته وعجل
يعجل في السماء لك الجزاء
لعل سمومك الزعف المواضي
من الأفعى وفتنتها شفاء (يدخل جندي من حرس الملكة معلنا قدومها)
الحارس :
الملكة!
زينون (كأنما يفيق من حلم) :
الملكه!
لا برحت مملكه!
ودام مجد المملكه! (تدخل كليوباترا ومن ورائها ابنها قيصرون بين وصيفتيها شرميون وهيلانة، ومن ورائهن أنشو مضحك الملكة وأغا القيصر)
الملكة :
تحيتي لأمناء المكتبه
وشيخهم أعلى الشيوخ مرتبه
زينون :
سلام السموات في مجدها
على ربة التاج ذات الجلال
تمنيت رأسين لا واحدا
إذا مست الأرض هام الرجال
أطاطئ رأسا لمجد النبوغ
وأخفض رأسا لمجد الجمال
حابي، ديون، ليسياس (يلتفت بعضهم إلى بعض أسفا)
أنشو (للوصيفتين وقيصرون) :
أما يغنيه عن رأسي
ن رأس فيه وجهان؟
فحينا هو مصري
وحينا هو يوناني
وفي مجلس يوليوس
وأنطونيوس روماني
وإن لاقى أغا القصر
فنوبي وسوداني (يدخل الكاهن أنوبيس من باب مقابل)
الملكة :
كاهن الملك سلام
لا عدمنا بركاتك
صل من أجلي ولا تن
س صغاري في صلاتك
أنوبيس :
ربة النيل التحيا
ت الزكيات لذاتك
حرست تاجك إيزي
س ومدت في حياتك
الملكة :
هو ذا ابني قيصرون
يتلقى نفحاتك
الكاهن (لنفسه) :
إيزيس كيف أصلي
على ابن يوليوس قيصر؟
أبوه عال ولكن
فرعون أعلى وأكبر (يسمع هتاف من خارج القصر، وجماعة ترتل نشيد النصر السالف في أكتيوم)
الملكة (عابسة) :
كاهن الملك، سادتي، هل سمعتم
رنة الصوت في جوانب قصري؟
أنوبيس :
هم رعايا مليكتي
الملكة :
ليت شعري
ألخير تجمعوا أم لشر؟
شرميون :
الجماهير يا مليكة بالشط
يموجون في حبور وبشر
سرهم ما لقيت في أكتيوم
من ظهور على العدو نصر
لا يقولون أو يعيدون إلا
نبأ بات في المدينة يسري
الملكة :
يا لإفك الرجال ماذا أذاعوا
كذب ما رووا صراح لعمري
أي نصر لقيت حتى أقاموا
ألسن الناس في مديحي وشكري؟
ظفر في فم الأماني حلو
ليت منه لنا قلامة ظفر
وغدا يعلم الحقيقة قومي
ليس شيء على الشعوب بسر
شرميون :
ربة التاج ذلك الصنع صنعي
أنا وحدي وذلك المكر مكري
كثرت أمس في الإياب الأقاوي
ل وظن الظنون من ليس يدري
فأذعت الذي أذعت عن النص
ر وأسمعت كل كوخ وقصر
خفت في خاطري عليك الجماهي
ر وأشفقت من عدى لك كثر
فاغفري جرأتي، فيا رب ذنب
يتعب العذر فيه مهدت عذري
الملكة :
شرميون، اهدئي فما أنت إلا
ملك صيغ من حنان وبر
أنت لي خادم ولكن كأنا
في الملمات أهل قربى وصهر
إنما الخادم الوفي من الأه
ل وأدنى في حال عسر ويسر
اسمعي الآن كيف كان بلائي
وانظري كيف في الشدائد صبري
أيها السادة اسمعوا خبر الحر
ب وأمر القتال فيها وأمري
واقتحامي العباب والبحر يطغى
والجواري به على الدم تجري
بين أنطونيو وأكتاف يوم
عبقري يسير في كل عصر
أخذت فيه كل ذات شراع
أهبة الحرب واستعدت لشر
لا ترى في المجال غير سبوح
مقبل مدبر مكر مفر
وترى الفلك في مطاردة الفل
ك كنسر أراد شرا بنسر
وتخال الدخان في جنبات ال
جو جنحا من ظلمة الليل يسري
ودوي الرياح في كل لج
هزج الرعد أو صياح الهزبر
وترى الماء منه عود سرير
لغريق، ومنه أحناء قبر
يغسل الجرح شر من غسل الجر
ح ويأسو من الحياة ويبري
كنت في مركبي وبين جنودي
أزن الحرب والأمور بفكري
قلت روما تصدعت فترى شط
را من القوم في عداوة شطر
بطلاها تقاسما الفلك والجي
ش وشبا الوغى ببحر وبر
وإذا فرق الرعاة اختلاف
علموا هارب الذئاب التجري
فتأملت حالتي مليا
وتدبرت أمر صحوي وسكري
وتبينت أن روما إذا زا
لت عن البحر لم يسد فيه غيري
كنت في عاصف، سللت شراعي
منه فانسلت البوارج إثري
خلصت من رحى القتال ومما
يلحق السفن من دمار وأسر
فنسيت الهوى ونصرة أنطن
يوس حتى غدرته شر غدر
علم الله قد خذلت حبيبي
وأبا صبيتي وعوني وذخري
والذي ضيع العروش وضحى
في سبيلي بألف قطر وقطر
موقف يعجب العلا كنت فيه
بنت مصر وكنت ملكة مصر (ملتفتة إلى زينون):
زينون، فصلت الخبر
عن القتال والسفر
وقلت عن إيابي
وخطة انسحابي
ما ليس يعلم البلد
ولا درى به أحد
فهل لديك الآنا
ما يجلب السلوانا
من الأمالي المسليه
والصحف الملهيه
زينون :
عندي يا مولاتي
روائع الآيات
تسعون ألف سفر
قد كتبت بالتبر
من كل رق عجب
في العلم أو في الأدب
قيصر أنطونيو وهب
لنا مناجم الذهب
وكل غال مدخر
من الجواهر الأخر
أسلابه من حربه
وطعنه وضربه
هدية من قيصر
لبلدة الإسكندر
أنشو :
إذا كانت الكتب في شرعكم
نظير الجواهر كفء النضار
فإني الغني بدر القواق
ع حين يرصع تبر العقار
وما الكتب قوتي ولا منزلي
فما أنا سوس ولا أنا فار
الملكة :
حكيم لعمري على جهله
ظريف الحديث لطيف الحوار
زينون (مغيظا) :
ولكنها حكمة السائمات
وفلسفة غير بنت اختبار
وكلتاهما لا تعدى الشعور
بحب البقاء وخوف الدمار
أنشو :
رويدك مولاي بعض السباب
فليس السباب سبيل الكبار
هب الليل طال فقطعته
بدرس وأصبحت تفني النهار
وأقبلت بالكتب تطوي الطوال
وتنشر في إثرهن القصار
وزدت على الأرض علم السماء
كبار كواكبها والصغار
إذا ما نفقت ومات الحمار
أبينك فرق وبين الحمار؟
زينون (غاضبا) :
ماذا تقول السيده؟
الملكة (ضاحكة) :
واحدة بواحده
أبي أنوبيس، أرجو
أنوبيس :
بل تأمرين مطاعه
الملكة (مشيرة إلى باب محراب مفتوح ومتجهة إليه) :
هذا مقام صلاتي
وهيكلي للضراعه
ولي خطايا كثيره
لا تبرح البال ساعه
فادخل وصل لأجلي
فمنك ترجى الشفاعه (يدخلان المحراب ويتبعهم الحاضرون ما عدا حابي وديون وليسياس)
ديون (متهكما) :
إسكندرية صرت رفرف معبد
من كل ناحية عليه ستار
اختص آلهة الجلال بسره
وتفرد الكهان والأحبار
ما خطبهم حابي، وماذا بيتوا
ليسياس :
ما هذه الألغاز والأسرار؟
حابي :
أرأيت وقعة أكتيوم وما جرى
فيها وكيف تصرف المقدار!
ليسياس، إنك قد سمعت حديثها
كالسحر في الآذان حين يدار
تبدو الخيانة فيه وهي أمانة
ويرى الثبات عليه وهو فرار
وعلمت كيف نجت وكيف انغض عن
أنطونيو أسطولها الغدار
ليسياس :
واليوم حابي، أين أنطونيو وما
فعلت بفل جيوشه الأقدار؟
قل لي: أحي في البلاد مشرد
هو أم له قبر بمصر يزار؟
حابي :
ليسياس، تسألني تجاهل عارف
ليسياس :
بل جاهل لم تأته الأخبار
حابي :
لم تأت حتى جاء في آثارها
للحب أجنحة بهن يطار
ويقال بل أخذته تحت شراعها
ونجا به فلك لها محصار
تجري الرياح بما تشاء قلوعه
ويسير في طاعاته التيار
ويقال غضبان عليها عاتب
ويقال بل حنق الفؤاد مثار
وعلى صفاء العاشقين سحابة
وعلى سلام الصاحبين غبار
آلى وأقسم لا يرى في قصرها
حتى يقوم مجده المنهار
إن البلاء أجل من ألا يرى
ديون :
عجب أتخفى في الهشيم النار؟
حابي :
أنطونيو منا بأقرب ثكنة
يدعو من الرومان من يختار
ويعد أهبته ليوم حاسم
في البر يغسل عنه فيه العار
ويكون ميدان الرحى ومدارها
تلك التلال وهذه الأسوار
فهناك خاتمة الصراع وموقف
إما الدمار به وإما الغار (يسمع صوت أنوبيس من داخل المحراب مرتلا هذا النشيد):
إيزيس ذات الحجاب
مالكة العالمين
شعبك لاقى العذاب
من عبث الظالمين •••
يا من خفضنا الجباه
لعزها ساجدين
صغنا إليك الصلاه
من أدمع النادمين
المنظر الثاني «في إحدى غرف القصر الملكي ورحى الحرب دائرة بين أكتافيوس وأنطنيوس على أسوار الإسكندرية. حابي في الغرفة حيث تدخل عليه هيلانة»
هيلانة :
أتدخل حابي مقاصيرها؟
بلغت من الجرأة المنتهى
ستعلم أمرك ذات الجلال
ة
حابي :
بل أمرت أن تراني هنا
هيلانة :
عجبت لها ولتدبيرها
كذلك قد أمرتني أنا
إذن هي تجمعنا يا جحود
وتجزيك عن سخط بالرضى
حابي :
هلانة خليك من ذكرها
حديث الأفاعي طويل المدى
هيلانة :
رويدك حابي لقد أحسنت
فما لي أراك أسأت الجزا؟
حابي :
هلانة، يا طيبها خلوة
وإن قل في ظلها الملتقى
تعالي هلانة نعط الغرام
عنان الحديث ونشك الجوى
أنيلي يدي يديك اللتين
نعيمي بينهما والشقا
هلم هلانة
هيلانة :
حابي أراك
بكنه الأمور قليل الهدى
من القصر لا تلتمس خلوة
وإن هو من كل حس خلا
سماء القصور لها أذنان
وأرض القصور بعين ترى
حابي :
هلانة لا تقطعي نشوتي
بقربك أو حلمي باللقا
أمهما تخيلت صفو الحياة
خلقت على جانبيه القذى؟
هيلانة :
حنانك حابي لا تتهم
ولا ترمني بعقوق الهوى
ولذ بالأناة فإن الأناة
صديق الصواب عدو الخطا
فلو كنت وحدك شغل الفؤاد
لهان البلاء وقل العنا
ولكن حقوق كلوباترة
حابي :
وأي حقوق لها تدعى (تدخل كليوباترة)
كليوباترا :
حقوق الولاية يا ذا الغلام
حقوق الرعاية يا ذا الفتى
وصبري عليك لأجل الفتاة
حابي (مأخوذا) :
إلهي لقد سمعت ما جرى
الملكة :
وسدي المسامع حبا بها
وأنت تعين علي العدا
وترسل في العرش هجر الكلام
وتخفي الحفيظة لي والقلى
ولكن لننس الذي قد مضى
فمثلك تاب ومثلي عفا
دع الذود عن مصر لي إنني
أنا السيف والآخرون العصا
ولا تطع الفتية العابثين
أسود الكلام نعام الوغى (يدخل أنوبيس) (إلى أنوبيس)
أبي: قد أتيت
أنوبيس :
سلام عليك
شعاع المدائن نور القرى
الملكة :
أبي قد تلاقى هنا العاشقان
وكان بتدبيري الملتقى
فبارك فتاتي وبارك فتاك
وكفكف هواه إذا ما غلا
أنوبيس :
حياتك حابي كنيسية
يشاكل أولها المنتهى
مقيدة باليقين القنوع
وما أمر القلب أو ما نهى
الملكة :
كزهر المقاصير لم ينتفع
بطول الأديم وعرض الثرى
أنوبيس :
وتحسب في الكتب علم الحياة
وما منه في الكتب إلا شذا
حابي :
لعلي كذي الشك في حرصه
يقيس الطريق ويحصي الخطا
أرى راكب الشك ملء المجال
طويل العنان بعيد المدى
ولو شككت في السراج الفراش
لكان سلاما عليها السنا
أنوبيس :
ولكن تمر على ما تراه
تجاوزه نحو ما لا يرى
وهذا الملاك (مشيرا إلى هيلانة)
كمولاته
طليق الإرادة حر الحجى
تمشى على جنبات الحياة
كما يتمشى شعاع الضحى
يخوض الوحول ويغشى الحلي
ويأوي الحضيض ويعلو الذرا
ويخترق العرصات الفساح
وينفذ من ضيقات الكوى
ويرتع بين أنوف الأسود
ويلعب بين عيون الظبا
الملكة :
ولكنه طاهر حيث طاف
نقي الذيول عفيف الخطا
أبي قد نسينا حديث القتال
فمنذ الصباح تدور الرحى
وجيش الحليف وجيش العدو
بظهر المدينة رهن الوغى
هنالك يقضى مصير البلاد
فإما البقاء وإما الفنا
ومن عجب كاد يمضي النهار
وما من رسول ولا من نبا (يدخل جندي من جنود أنطونيو منهوكا يعلوه الغبار)
الجندي :
سيدتي جئتك بالأخبار
لقد جرت بسعدك الجواري
انتصرت جنودنا الضواري
تحت لواء البطل المغوار
قيصر أنطونيو على آثاري
الملكة :
يا فرحا ما أعظم البشاره!
حلت على أكتافيو الخساره «وأكتيوم» قد أخذنا ثاره
خذ يا رسول هذه البشاره (تمنحه بدرة ممن الذهب فيخرج من باب وتدخل شرميون من باب)
شرميون :
سيدتي يا طربا
سيدتي يا فرحا!
دارت على أكتافيو
وجيش أكتافيو الرحى
هيلانة :
ملكتي هل تسمعين (يسمع صوت بوق وهتاف من بعيد)
الملكة (منصتة) :
صوت بوق وهتاف (تقوم الملكة إلى النافذة وترهف أذنيها وعينيها)
هو والله نشيدي
والمغنون جنودي
والمخاريق التي تخ
فق من بعد بنودي
ولديها فارس مل
تثم شاكي الحديد
يتراءى في عنان ال
جو كالبرج المشيد
هو أنطنيوس ذخري
وطريفي وتليدي (إلى شرميون وهيلانة)
أيها البنتان هذي
ليلة العيد السعيد
صليا مثل صلاتي
واسجدا مثل سجودي (يسجد الثلاثة لحظة. ثم تنهض الملكة أولا وتتجه نحو النافذة)
هو ذا أنطونيو من
جانب الميناء أقبل
هيكل يحمله من
صافنات الخيل هيكل
الرداء الأرجواني
على عطفيه مسبل
مبسم يضحك من تح
ت جبين يتهلل
هو ذا يدنو
شرميون :
أتى والله
هيلانة :
مولاتي ترجل
الملكة (تبتدر الباب) :
أيها البنتان هذي
ليلة العيد السعيد (أنوبيس هامسا لحابي) :
حابي، أحيط القصر بالذئاب
وبي من السخط عليهم ما بي (للملكة):
سيدتي تأذن في انسحابي؟
وتأذنين ملكتي لحابي
الملكة (ضاحكة) :
إلى الأفاعي؟
أنوبيس :
لا إلى المحراب
الملكة :
رأيكما في المكث والذهاب (يخرجان ويدخل أنطونيو وحاشيته وقواده وتابعه أوروس. أنطونيو يقبل على الملكة مادا يديه)
أنطونيو :
إلهتي!
الملكة :
قيصري!
أنطونيو :
سلطانتي!
الملكة :
ملكي!
أنطونيو :
عندي لك اليوم يا دنياي أخبار
الملكة :
عجل فديتك
أنطونيو :
لا، لا بد من ثمن
الملكة :
كرائم المال؟
أنطونيو :
ما للمال مقدار (يمد إليها جبينه في ضراعة)
ردي على هامتي الغار الذي سلبت
فقبلة منك تعلوها هي الغار (تقبله)
كليوباترا :
اليوم تعلم روما أن ضرتها
تقلد الغار من تهوى وتختار
واليوم تعلم روما أن فارسها
جيش بمفرده في الروع جرار
أنطونيو سيدي. هل نحن في حلم؟
أسالم أنت؟ لا أسر ولا عار؟
أنطونيو :
أسر؟ وهمت كلوباترا أتظفر بي
أيدي الكماة وفي كفي أظفار
لو قلت قتل لكان القول أشبه بي
كأس المنايا على الأبطال دوار
الحرب تعلم والأيام تشهد لي
أني شديد على الأقران جبار
لو كنت شاهدتي والحرب جارفة
والصف تحتي بعد الصف ينهار
قد جن تحتي جوادي فهو عاصفة
وجن نصلي بكفي فهو إعصار
رأيت حملة صدق غير كاذبة
لا السيل يحملها يوما ولا النار
لما صدمت جناحيهم وقلبهم
عن الخيام ومن أوكارهم طاروا
وما وجدت لأكتافيو وقادته
ريحا، ولم أتبين أية ساروا
ومالت الشمس أو كادت فراجعني
شوق إليك قديم الداء سوار
حتى رجعت ولو أني طردتهم
لبات أكتاف عندي وانقضى النار
كليوباترا :
تركتهم لغد! هذي مجازفة
غد غيوب وأسرار وأقدار (مخاطبة أوروس)
أوروس، أنت بفن ال
قتال أعلم مني
الحرب فنك أورو
س والسياسة فني
إن كان «مرك» إلها
فأنت في الحرب جني
فكن بحقك عوني
وقل لقيصر عني
إن المنى لم تقصر
بل قصر المتمني
فلو صبرتم قليلا
وسرتم في تأني
أرحتموني وروما
من الخصام المعني
أوروس :
سيدتي لم تقصدي
لما عذلت سيدي
عجلت في الحكم على
ما لم تري وتشهدي
لقد حملنا حملة
كمثلها لم يعهد
استنفدت بأس القنا
وقوة المهند
فكان لا بد لنا
نرجي القتال للغد
أنطونيو :
كلوباترا دعينا من
تجنيك كلوباترا
أتبكين على الصبر
وقوم حرموا الصبرا؟
وبي من صبرك الواهي
جراح الأمس لم تبرا
لقد منيت أسطولي
لدى أسطولك النصرا
حليف كنت أرجو أن
سأشتد به أزرا
فعبا تحت أعلام
ك حتى زحما البحرا
وقد كانا الجناحين
وقد كنت أنا النسرا
وأجرى الفلك أكتافيو
فأجريت كما أجرى
صففناها وأرسلنا
بها تقتحم الجمرا
كلانا مارس الحرب
وعانى الكر والفرا
فلما آذنتنا الحر
ب بالمعركة الكبرى
تسللت بأسطول
ك من غمرتها الحرى
فقلت انسحبت ضعفا
وقال الناس بل غدرا
ولو كان لهم قلب
كقلبي التمسوا العذرا
كليوباترا :
أنطونيوس ملكي
أنطونيوس سيدي
ليس العبوس سنة
لوجهك الطلق الندي
ولست من يغضب في
ليل الشراب والدد
ولست للكأس على
شاربها بالمفسد
قلبك كنز الحب وال
رحمة والتودد
وكم حقدت ثم أص
بحت كأن لم تحقد
ألست بالأمس وأم
س لفتة لم تبعد
وهبت لي جريرتي
والصفح نصف السؤدد
فاطو معي حوادث ال
أمس ولا تجدد
وامض معي في لذة ال
يوم ودع هم الغد
أنطونيو :
كلوباترا بحبيك
من التأنيب خلينا
لقد سقت وقوادي
إليك النصر فاجزينا
مري بالكاس والطاس
وبالندمان يسقينا
وبالقصف وبالعزف
وحذاق المغنينا
وما طيب ألوانا
وما طاب رياحينا
وقولي الشعر علويا
كما كنت تقولينا
وأوحيه إلى شادي
ك يلقيه فيشجينا
غدا نستأنف الحرب
ونطويها ميادينا
أنشو :
ونغشاها مخامير
ونلقاها مجانينا
كليوباترا :
مر بما شئت قيصر
وأشر كيف تأمر
لك قصري وما حوى ال
قصر كل مسخر
ليس شيء وإن غلا
عن حبيب يؤخر
لتكونن ليلة
آخر الدهر تذكر
لا نبالي إذا صفت
بعدها ما يكدر
تحلم الحلم لست تد
ري بماذا يفسر (لوصفائها ووصيفاتها):
البدار البدار يا وصفائي
ووصيفاتي البدار البدارا
قيصر قيصر هو الآمر النا
هي على القصر فليكن ما أشارا
هو يبغي وليمة فاصنعوها
وانسقوها كما اشتهى واختارا
أطلعوا هذه الشموع شموسا
تذر الليل بالعشي نهارا
وأعدوا الخوان قد حمل الأل
وان شتى وجلل الأزهارا
واجمعوا بالمدام شمل الندامى
وأديروا الكئوس والأوتارا
واجعلوها وليمة وبساطا
يتبارى خلاعة ووقارا
مصر إن أولمت سمت بالأغاني
درجات وأسمت الأشعارا
لا تسيروا على ولائم روما
سرفا في الفسوق واستهتارا
كلما أولمت أساءت إلى العق
ل وجرت على الحضارة عارا
ولقد تجعل النمار نداما
ها أسد العرينة السمارا
قائد روماني (لزميله غاضبا) :
أتسمع ما تقول عدو روما
قد اجترأت على روما البغي
أتحت لوائها وبجانبيها
يخوض الحرب من روما كمي؟
الآخر :
غدا تلقى، وإن غدا قريب
عقابا في البلاد له دوي
الأول (لأنطونيوس في عتب وغضب) :
أميري أنطونيو أفي الحق أننا
نبيت سكارى والعدو مبيت؟ (ينظر إليه أنطونيو نظرة طويلة ثم ينصرف عنه إلى كليوباترا فيهمس القائد):
ألا إنه ليل له ما وراءه
غرامك حي فيه والمجد ميت
الفصل الثاني
«في حجرة الولائم بالقصر الملكي، حيث ترى كليوباترا ووصيفتاها هيلانة وشرميون، وأنطونيوس وأوروس، وبضعة من القواد الرومان، وأولمبوس طبيب الملكة، وأنشو مضحكها، وغانميز سائقها، وحاجب يعلن أسماء القادمين»
أنطونيو :
قياما نشرب الخمرا
على حب كلوباترا
كليوباترا :
على حبك أنطونيو
على الجيش على مصرا
قائد روماني :
على روما
كليوباترا :
دعوا روما
ولا تجروا لها ذكرا
فما أنطونيو منها
وإن كان ابنها البكرا
ولكن تحت أعلامي
يقود البر والبحرا
القائد :
أحق مارك أنطونيو
س من رومية تبرا؟ (تنظر إليه كليوباترا فيقرأ في عينيها ما تريد)
أنطونيو :
أجل أتبع مولاتي
ولا أعصي لها أمرا
كليوباترا :
على حبك أنطونيو
أنطونيو :
ثلاثا أربعا عشرا
أنشو :
وإن شئت فعشرين
إلى ما فوقها سكرا
وإن شئت من الدنيا
وصلنا السكر للأخرى
قائد روماني (لزملائه همسا) :
دعوا أنطونيو إني
أرى السكر به أزرى
لقد كان الفتى الفطن
فصار الحدث الغرا
قائد آخر (همسا) :
سنلبث ساعة نحتال حتى
إذا سلت عقولهم انسللنا
فما المتدله السكير أهلا
لتنصره السيوف إذا استللنا
الحاجب :
أياس المغني
وجوقة العزاف
وراقصات القصر (يدخلون)
كليوباترا :
أهلا بوفد الآلهه
أهل الفنون النابهه
الحاجب :
الشيخ زينون
ربان أنطونياد (يدخلان)
أنطونيو :
ماذا عن الأسطول من
ك يا أخيل نعلم؟
هل خمدت فتنته
أو لم تزل تضرم؟
أخيل :
مولاي إن البحر يخ
في سره ويكتم
وما نواه في غد
مثل غد مستبهم
فلا أقول مقدم
ولا أقول محجم
ولا أقول ينبري
للحرب أو يستسلم
كليوباترا :
أخيل، دعنا من غد
إن غدا توهم
أخيل، ما العيش سوى
ساعة صفو تغنم
فلا تكن كداخل
على الندامى يلطم
أتيتهم منادما
لم تأتهم ليندموا
اليوم شرب
زينون :
وغدا
حرب
غانميز :
كلام محكم!
الحاجب :
بولا الشاعر
حبرا الساحر
كليوباترا (ضاحكة) :
حبرا، أعندك سحر
يشل طاغوت روما؟
ويجعل الناس فيها
حجارة ورسوما؟ (القواد الرومانيون يدمدمون)
أنطونيو :
سيدتي لا تجرحي قوادي
ولا تنالي بالأذى أجنادي
وقللي السخط على بلادي
كليوباترا :
أنطونيو ما أنت روماني
ألم تقل إنك لي جندي؟
أنطونيو :
بلى، وددت أنني مصري
وأنني تابعك الوفي
ما في سوى رضاك لي مضي
أنشو :
تلك والله قضيه
أصبح الراعي رعيه
حكم الحب على قي
صر والحب بليه
صار كالشعب وساوى
همج الإسكندريه!
أنطونيو :
حبرا، تكلم ألا عجيبه؟
من سحر منف أو سحر طيبه
حبرا :
إله الحرب سامحني فإني
غلبت على أبالستي الغضاب
هم لا يجلسون على غناء
ولا يتحدثون على شراب!
كليوباترا :
ولكن قيصر يدعوك حبرا
وقيصر لا يرد بلا جواب
وأنت الكاهن العراف فانظر
أغير السحر شيء في الجراب
حبرا :
إذا ما شئت مولاتي فإني
أطالع في الكفوف وفي الكتاب
كليوباترا :
أدن من قيصر حبرا
وانظر الكفين واقرا
أنطونيو :
تعال حبرا وقلب
يدي يمنى ليسرى
لعل أسرار كفي
كواشف لك سرا (يتقدم حبرا ويمعن في كف أنطونيوس)
ألا ترى لي بقاء؟
ألا ترى لي عمرا؟
حبرا :
يا عجب الفال! مولا
ي أعجب الناس أمرا
حياته بيديه
والناس يحيون قسرا
إن شئت عشت نهارا
أو شئت عمرت دهرا (قائد روماني إلى زملائه همسا) :
لو كنت منه قريبا
لقلت في أذن حبرا
حياته في يديه
أم في يدى كيلوباترا!
كليوباترا :
تعال الآن سل كفي
وبين ما الذى تخفي (يتقدم حبرا إليها ويمسك يدها بعناية وشغف)
حبرا :
يا لك كفا كنقي العاج
ناعمة كخمل الديباج
لامسها من الجحيم ناجي! (ضحك)
تفدى الأكف كلها يمينا
بيضاء حمراء ترف لينا
كما أظل الشفق النسرينا
أنطونيو (ضاحكا) :
سمعت حبرا ملكتي كيف ابتكر
كلف أن يصنع سحرا فشعر
بولا الشاعر :
السحر والشعر سواء في الأثر
كليوباترا :
لقد أعجبك الشعر
وراقتك معانيه
وما سرك أنطونيو
سروري كله فيه
فما تأمر في حبرا
بأي البر أجزيه؟
حبرا (لأنطونيو) :
جائزتي يا سيدي
تقبيل هذه اليد!
أنطونيو (ضاحكا) :
قبل ولا تردد (يقبل يديها بين إقدام وإحجام):
حبرا :
عجب عيني لا تق
وى على هذا الضياء
هذه كف إله
جاء في زي النساء
كليوباترا :
خلني من زخرف المد
ح ومن زور الثناء
ما وراء اليد يا عر
اف من غيب القضاء؟
أحضيض يومي الآ
خر - قل لي - أم سماء؟
خاتم الأيام أولى
باهتمام العظماء
حبرا :
ملكتي يومك في الأي
ام منشور اللواء
نابه الصبح كيوم الشم
س علوي المساء
خطر العز عليه
ومشى فيه الإباء
ثم يتلوه بقاء
لم يطاوله بقاء
أنشو (لزينون) :
رأيت الشعر قد أجدى
فماذا قلت يا فار؟
زينون :
إلهتي وملاكي
كفي المهرج عني
قد نال مني ولولا
ناديك ما نال مني
أنشو :
سيدتي عبدك أنشو قد صدق
الفار في مكتبة القصر نطق
يقول إن أسرق فزينون سرق!
همي في الجلد وهمه الورق
يسطو على آثار كل من سبق!
أنطونيو :
إني أرى أنشو وأمثاله
زادوا على زينون في الجرأه
يا ويح للشيخ على فضله
أصبح في مجلسهم هزأه
أنشو :
هبوه في الدرس بحرا
هبوه في العلم أمه
لا يخلق العلم نفسا
ولا ينبه همه
كم عالم في يد الجا
هلين ملقى الأزمه
كليوباترا :
أقل المزح يا أنشو
وأرسله بمقدار
فلولا الجهل ما رحت
تقيس الليث بالفار
زينون :
يا سماء احفظي ويا أرض صوني
أظهرت عطفها على زينون!
كليوباترا :
يا غانميز
هات النبيذ
هات اسقني
واسق الحبيب
واسق الملا
بولا الشاعر :
بنت الدنان
أم الزمان
خبأها
في قبوه
ساقي «منا»
لون الفرح
حنا القدح
سر السرور
صفو الحياه
قوت المنى
كليوباترا :
قيصر، ذي سلافة الفيوم
تنمى إلى عقائل الكروم
مخبوءة من عهد مصرائيم
قد عمرت كعمر النجوم
دنان مصر لا دنان الروم
القواد الروم (يدمدمون ويتهامسون):
قائد :
قولوا يا رومانيونا
تحيا روما
آخر :
تحيا
ثالث :
تحيا
أنشو (ضاحكا) :
تحيا الخمر
يحيا السكر
القواد :
تحيا روما
جماعة من المصريين :
تحيا مصر
أنطونيو :
أيها الشادي أياس
بلغ السكر مداه
غنني شعر ملاكي
غنني شعر الإله
أنا لا أطرب حتى
أسمع «الحب الحياه»
أياس (مغنيا) :
أنا أنطونيو وأنطونيو أنا
ما لروحينا عن الحب غنى
غننا في الشوق أو غن بنا
نحن في الحب حديث بعدنا •••
رجعت عن شجونا الريح الحنون
وبعينينا بكى المزن الهتون
وبعثنا من نفاثات الشجون
في حواشي الليل برقا وسنى •••
خبري يا كأس واشهد يا وتر
وارو يا ليل وحدث يا سحر
هل جنينا من ربا الأنس السمر
ورشفنا من دواليها المنى •••
الحياة الحب والحب الحياه
هو من سرحتها سر النواه
وعلى صحرائها مرت يداه
فجرت ماء وظلا وجنى •••
نحن شعر وأغاني غدا
بهوانا راكب البيد حدا
وبنا الملاح في اليم شدا
وبكى الطير وغنى موهنا •••
من يكن في الحب ضحى بالكرى
أو بمسفوح من الدمع جرى
نحن قربنا له ملك الثرى
ولقينا الموت فيه هينا •••
في الهوى لم نأل جهد المؤثر
وذهبنا مثلا في الأعصر
هو أعطى الحب تاجي قيصر
لم لا أعطي الهوى تاجي منا •••
صوت :
مرحى مرحى
يحيا الفن
آخر :
يحيا الشعر
ثالث :
يحيا اللحن (تقوم كليوباترا إلى شرفة فيتبعها أنطونيوس)
قائد روماني (لزميل من زملائه هامسا) :
هلا نظرت إلى الأميرة؟ إنها
سكرى تعثر في خليع عذارها
آخر :
وتأمل المفتون كيف جرى على
آثارها وانجر في تيارها
آخر (لزملائه حيث يسمعه أوروس وألمبوس) :
وانظر إلى أوروس في تردده
يأبى الهتاف معنا لمولده
أولمبوس (ساخرا) :
أوروس ملء يومه ملء غده
فتى تضج الحرب من مهنده
ويشتهي الأبطال فضل سؤدده
قد راعني فناؤه في سيده
بنفسه وقومه ومولده
يغلو غلو الكلب في تودده
يقيد الكلب وراء مرصده
فيحرس الدار على مقيده
أوروس :
تلك الدعابة يا طبيب ثقيلة
فحذار ثم حذار من تكرارها
لولا الوليمة والشراب وحرمة
لأميرة الوادي السعيد ودارها
لنزعت من أقصى لهاتك مضغة
كثرت على الأبطال في استهتارها
أولمبوس :
أوروس!
أوروس :
أولمبوس صه برح الخفا
ورأيت نفسك في مفاضح عارها
ماذا خبأت من السموم لملكة
غفلت عن الأفعى ولؤم جوارها؟
إلا تكن علمت فإنك عندنا
جاسوس أكتافيو على أسرارها
ما زلت منذ وفدت تطلعه على
أخبار قيصر أو على أخبارها
إنا رجال الحرب ليس يفوتنا
لحظ العيون ولا خفي حوارها (أولمبوس يحاول أن يتكلم فيمسك به قائد روماني ويهمس إليه):
أقصر أخي إن الجماعة عربدت
فإذا لججت لفت من أنظارها
اسلم بنفسك في الظلام ولا تثر
ريبا أخاف عليك غب مثارها
إني لأخشى الكأس أن تجري دما
فتصيب شيئا من رشاش عقارها
أولمبوس (لنفسه وهو ينسل إلى الخارج) :
أوروس! أنطونيو! حسابكما غدا
روما الأبية لم تنم عن ثارها (يخرج)
أنطونيو (من أقصى البهو) :
أما للرقص هيلا
نة في ليلتنا حصه؟
ألا نجمع بين الكا
س والنغمة والرقصه؟
فهذي فرصة الأنس
وقد لا ترجع الفرصه
هيلانة :
الراقصات يقمنا
الراقصات يثبنا
ولا يدعن افتنانا
ولا يقصرن فنا (تقوم الراقصات، برقصة مصرية)
أنطونيو (قادما) :
مرحى مرحى
يحيا الفن
صوت :
يحيا الرقص
آخر :
يحيا الحسن
أنطونيو :
قد انتصف الليل أو فوق ذاك
وآذننا بالمضي الدجى
ودون الخيام سرى ساعة
وعند الصباح تدور الرحى
فهل تأذنين لنا يا ملاك
فلا بد من سنة من كرى
ولست أقول ملاكي الوداع
ولكن أقول إلى الملتقى
كليوباترا :
مكانك قيصر لا تذهبن
ولا تبرح القصر أهلك أسى
أنطونيو :
ذريني أعبئ للقتال كتائبي
فلي في غد شأنان في البر والبحر
ذريني أهيئ للأحاديث في غد
فإن غدا يوم سيبقى على الدهر
ذريني أزد تاجيك غار وقائعي
وأقرن بثعباني جلالهما نسري
ولست أخاف الدارعين وإنما
أخاف فجاءات الخيانة والغدر
وليس كمين الحرب ما أنا هائب
ولكن كمين الغدر في ظلمة الصدر (لأخيل):
فيا قائد الأسطول هل من مكيدة
تدبر لي خلف الشراع وما أدري؟
كليوباترا :
امض إلى الهيجاء أن
طونيو كما يمضي الأسد
إن الأسود في اللبد
دونك في هذا الزرد
امض إلى المجد ولا
يقعدك شغل في البلد
المجد لا يسأل عن
صاحبة ولا ولد
أنت لروما في غد
وقيصرون بعد غد
والشرق سلطاني الذي
إكليله لي انعقد
يا ليث سر، يا نسر طر
عد ظافرا أو لا تعد
الفصل الثالث
«معبد في الإسكندرية، يقسم جداره المسرح إلى قسمين القسم الأصغر خارج المعبد وتنهض فيه شجرة باسقة، والقسم الأكبر داخله وتظهر فيه حجرة الكاهن الأكبر أنوبيس وعلى جدرانها رفوف نسقت عليها حقاق وقوارير؛ وهنا وهناك صرر وصناديق يشف بعضها عما فيه من أفاع وحيات - باب خلفي يؤدي إلى المعبد ونافذة جانبية تطل على الفضاء.» (في حجرة الكاهن أنوبيس)
أنوبيس (يناجي نفسه) :
يقولون أنوبيس
ولوع بأفاعيه
ومشغوف بثعبان
من الوادي يربيه
وفي ناديه حيات
من الجن تناجيه
ولو ذاقوا هوى العلم
كما ذقت فنوا فيه
ألا يا رب خداع
من الناس تلاقيه
يعيب السم في الأفعى
وكل السم في فيه! (يخرج من الباب الخلفي) ••• (خارج الهيكل - تحت الشجرة - أنطونيوس وأوروس)
أنطونيوس :
أوروس إني جهدت مشيا
ومسني الضر والكلال
فمل بنا نسترح قليلا
من قبل أن يدهم الرجال (يجلس أنطونيوس منهوكا على حجر فتأخذه الذكرى):
أوروس ماذا دهاني؟
حتى نسيت مكاني
أتيت ما هد مجدي
وحط رفعة شاني
جللت نفسي بعار
يبقى بقاء الزمان
لما حملت جوادي
على الفرار ازدراني
وضج مني سيفي
وضج مني سناني
وودت الأرض تحتي
لو طهرت من عياني
أنا الذي كان أمضى
من الحديد جناني
الشرق يدري نزالي
والغرب يدري طعاني
كان الملوك عبيدي
فصرت عبد الحسان
ولست أول حر
استعبدته الغواني (يسكت لحظة ثم يستمر):
ولم أر كالحرب استراح قتيلها
وأفضى إلى القيد الأسير المقيد
ولكن شقي الحرب والمصطلى بها
إذا انفضت الحرب الطريد المشرد
ولولا اختلاف الحرب بالناس لم يهن
عزيز ولم ينزل على القيد سيد
أوروس :
وقارك قيصر لا تجزعن
وخل المقادير تجري المدى
تلق الهزيمة ثبت الجنان
كما كنت تلقى الفتوح العلا
فما أنت أول نجم أضاء
ولا أنت آخر نجم خبا
وقد تنزل الشمس بعد الصعود
وتسقم بعد اعتدال الضحى
ويا رب غار عراه الجفوف
على هامة قد علاها البلى
أما لك أنطونيو أسوة
بيوليوس قيصر أين انتهى؟
رأيتك والحرب تبلو الكماة
فأشهد كنت إله الوغى
وقد كان سيفك غول السيوف
وكانت قناتك غول القنا
وكنت إذا الموت أفضى إليك
تحديته فانثنى القهقرى
وكان جنودك شر الجنود
عليك وخيرهم للعدا
فخانت أساطيل أملتها
وجيش عقدت عليه الرجا
وخلفت في عسكر كالنعاج
كثير الثغاء قليل الغنا
فمن يائس مات قبل القتال
ومن خائن فر قبل اللقا
أنطونيو :
إذن لم أكن في الوغى بالجبان
ولا خنت أوروس عهد الهوى؟
وتشهد أني أنطونيوس
وأني ابن روما وأني الفتى؟
فإن عشت عشت نقي الجبين
وإن مت مت كريم الثنا (يرى أنطونيو شبحا فيسأل أوروس مبهوتا)
أنطونيو :
أوروس!
أوروس :
مولاي
أنطونيو :
تأمل من ترى؟
أوروس :
هذا أولمبوس وقد حث الخطا
أنطونيو :
ترى إلى أين؟ ومن أين أتى؟
أوروس :
ها هو سار نحونا ها قد دنا (يظهر أولمبوس)
أولمبوس :
تحية قيصر
أنطونيو :
بل أنطونيو
لا غير بل قل الشريد المقتفى
لا تخدعوني قادرا أو عاجزا
كفى غرورا بالولايات كفى
أولمبوس :
مولاي
أنطونيو :
لست اليوم مولى أحد
أكتافيو السيد والعبد أنا
مررت بالقصر فكيف ناسه؟
هل عن كلوباترا أولمبوس نبا؟
صرح، أبن، قل غدرت، قل جددت
بقيصر الثالث دولة الهوى
قد صنعت بي عند حاجة الوغى
ما لم يكن يصنعه بي العدا
أسطولها إلى مراسيه أوى
وجيشها ألقى السلاح ونجا
أولمبوس :
مولاي اعفني
أنطونيو :
تكلم لا تخف
إني أرى عليك روعة الأسى
أولمبوس :
مولاي مهلا في الظنون واتئد
إن من الظن اتهاما وأذى
أنت على ما لك من مروءة
رميت بالغدر أحب من وفى
أنطونيو :
ماذا تقول؟
أولمبوس :
كليوباترا انتحرت
بطعنة الخنجر في صدر الضحى
أنطونيو :
يا للسماء! انتحرت! أين؟ أبن
ولم؟ وكيف كان ذاك؟ ومتى؟
أولمبوس :
مررت بالقصر ضحى اليوم فلم
أجد له نظما ولا حسنا يرى
بدا لعيني خلاء موحشا
غير عويل ها هنا، وها هنا
أنطونيو :
انتحرت! يا للخبر!
ويا لقسوة القدر!
إن الأمور انتقلت
من خطر إلى خطر
ما غدرت وإنما
أنا الذي بها غدر
وا خجلتا من قولهم
انتحرت وما انتحر!
اذهب أولمبوس ودعن
ي والهموم والكدر
ما بجراحات القلو
ب للأطباء بعسر (يذهب أولمبوس) (لروما):
روما حنانك واغفري لفتاك
أواه منك وآه ما أقساك!
روما سلام من طريد شارد
في الأرض وطن نفسه لهلاك
اليوم يلقى الموت لم يهتف به
ناع ولا ضجت عليه بواكي
إن الذي أعطاك سلطان الثرى
لم تنعمي لرفاته بثراك
إن الذي بالأمس زنت جبينه
بالغار عقك جهده وعصاك
يا رب تاج في جبينك زاهر
عطلت منه مفارق الأملاك
الأمهات قلوبهن رقيقة
ما بال قلبك لم يلن لفتاك!
أعرضت غضبى في الحياة فرحمة
لا تحرميني في الممات رضاك
إن كان موتي كل ما تبغينه
فهناك! هأنذا أموت، هناك!
يا أم، عذرك في اتهام بنوتي
باد وعذري في العقوق كذاك
لولا الجمال وفتنة من سحره
ما حل في قلبي هوى لسواك
صفحا كلوباترا فربت زلة
قد كنت تغتفرين حين أراك
لما لقيتك في الجمال وعزه
قهرت قواي الظافرات قواك
فنسيت في ناديك ذكر وقائعي
وسلوت أيامي بيوم لقاك
سجدت لأعلامي الصوارم والقنا
وأبى مهند لحظك الفتاك
قدت الجحافل والبوارج قادرا
ما لي ضعفت فقادني جفناك؟
أخرجت أمري واختياري من يدي
وتركتني نفسا بغير ملاك
خلت السلامة في نواك فذقتها
فإذا الكوارث كلهن نواك
عاديت قومي في هواك وأضرمت
روما علي الحرب من جراك
وشردت في شرق البلاد وجد في
طلبي عداي بغربها وعداك
أغدو على سيف العدو وناره
وأروح بين مكامن وشباك
وتلمست نفسي السيوف ورامني
في البر والبحر الكمي الشاكي
كانت حياتي للرجال ألية
واليوم هنت فأقسموا بهلاكي
ولقد ذهبت من الظنون مذاهبا
فذممت عهدك واتهمت وفاك
حتى إذا حم القضاء وراعني
عطل المقاصر من بهاء حلاك
ضحيت بالدنيا وقلت رخيصة
وبذلت أيامي وقلت فداك •••
أمانا إله الحرب ما أنت صانع
بهذا الحطام المستباح المبعثر؟
لقد ذل من بعد امتناع كأنه
بقية نصل أو رفات غضنفر
صدعت أكاليلي وحطمت صارمي
وجردتني من أرجواني المظفر
ولم تألني هدما وكنت بنيتني
بناء الصناع القادر المتجبر
ملأت سبيلي بالهوى وصروفه
ومن يمش في أرض الهوى يتعثر
تنكرت حتى اخترت لي معول الهوى
فليتك لم تغضب ولم تتخير
أروس غلامي، إن في النفس حاجة
أوروس :
وعندي أقصى طاعة العبد فأمر
أنطونيو :
أوروس أرى الدنيا بعيني أظلمت
وكانت قديما كالصباح المنور
وضاقت بي الأرض الفضاء فكلها
سبيل طريد ضائع الدم مهدر
غويت وأوفى بي على الحفرة الهوى
فخفت، ومن يركب شفا الجرف يذعر
قشعريرة الخوف اعترتني ولم تكن
إذا ما اقشعرت تحتي الأرض تعتري
ملئت من الأحداث رعبا فضمني
إليك وقرب من إزارك مئزري
أرى الموت ممدود اليدين كمنقذ
لمثلي من غرقى الحياة مسخر
دعاني ولو أني على النفس مشفق
مددت إليه الكف لم أتأخر
أروس، أرى الماضي يطيف خياله
وتعرض لي أحلامه في التذكر
ذكرت بروما أربعي وملاعبي
وأين ضفاف النيل من شط تيبر؟
وأيام يدعوني الهوى فأجيبه
وينفخ في البوق المنادي فأنبري
فتنت الغواني برهة وفتنني
ولكنني عن سؤدد لم أقصر
فهمة قلبي في شراب وصبوة
وهمة نفسي في علاء ومفخر
أروس تواقفنا على كل غمرة
وكل مجال ثائر النقع أكدر
وفي مهرجان الفاتحين وعرسهم
وتحت لواء أو على عود منبر
فمالت بنا الدنيا فصرنا بموقف
شديد على الأبطال بالذل مشعر
نرى الأرض فيه والسماء تناهتا
إلى فلك نحس الجهات مسمر
فكيف مقامي يا أروس على الأذى
وصبري على العيش الذليل المكدر!
أروس :
أجل قيصر اعتضنا من العز ذلة
ومن حلية الأعلام عطل التنكر
فهنا كأنقاض الحصون على الثرى
وضعنا عليه كالقنا المتكسر
نهيم كأبناء السبيل وطالما
أخفنا سبيل العاهل المتكبر
وما منزل الأبطال إلا رحى الوغى
إذا هي دارت أو رواق المعسكر
أنطونيو :
فماذا ترى أوروس؟
أروس :
رأيك أول
وعندك ترجى نظرة الصدق فانظر
لقد عشت ظلالا أرى غير ما ترى
ولا خير في الرأي التبيع المسير
أنطونيو :
أروس، أنا الأعمى وأنت هي
فخذ بزمام العاجز المتحير
أروس :
أرى ما يراه العاجزون إذا جرى
على النفس محتوم القضاء المقدر
أنطونيو :
وماذا يقول العاجزون إذا ابتلوا؟
أروس :
يقولون حكم الله يا نفس فاصبري
أنطونيو :
أروس، يقوم العاثرون وقلما
يقال عثار الكوكب المتغور
أروس، ألم تفهم؟ هو الذل فاشفني
بضربة سيف أو بطعنة خنجر
فإنك حر إن فعلت وفائز
بسيفي وأثوابي ودرعي ومغفري
أوروس :
معاذ خلال البر مولاي! اعفني
فليس يدي تقوى ولا السيف يجتري
وأنت الذي لو بيع بالروح وده
وما لي سوى روحي تقدمت أشتري
لآلهة الرومان أشكوك قيصري
ظلمت فلم تنصف ولائي وتقدر
أتجعل في الميزان حبي وطاعتي
وشتى عروض من ثياب وجوهر؟
لقد جاد لي بالسيف والدرع قيصر (يطعن نفسه بخنجره)
وجدت بأيام الحياة لقيصر
أنطونيو :
أوروس عفوا قد ذهبت ضحية
وجنى عليك ترددي الممقوت
فعلمت مني كيف يجبن قيصر
وعلمت منك العبد كيف يموت (يطعن أنطونيو نفسه فيخر على الأرض جريحا) (ينتقل المشهد إلى داخل المعبد حيث يدخل أنوبيس إلى حجرته ويناجي أفاعيه)
أنوبيس :
هلم لكن بنات التلال
وجن الخرائب من صالحجر
تبدل من حولكن المكان
وأين القفار وأين الحجر
يد العلم وهي حديدية
حوتكن من جنبات الحفر
وجاءت بكن إلى حجرتي
أسارى القوارير رهن الصرر
أرابني الناس في أمركن
وصرت حديثهم والسمر
وقيل أنوبيس حاو تسيل
إليه الأفاعي إذا ما صفر
وما فتنتي بجلود لكن
مرقشة كإهاب النمر
ولا بهياكل مثل العصي
من اللحم لا من فروع الشجر
ولا برءوس كدق الحصا
ولا بعيون كوقد الشرر
ولكن أزاول علم السموم
وعلم السموم جليل الخطر
لقد كان لي في معاناته
تجاريب أنفقت فيها العمر
إلى أن نجحت، نعم قد نجحت
وعاقبة الصابرين الظفر
فكم قد شفيت بطبي اللدي
غ وأيقظت من نزعه المحتضر
فقيل إله أعاد الحياة
إلى الميت أو خدن جن سحر
صنعت من السم ترياقه
وقد يختفي النفع تحت الضرر
وأنتن والناس قد تلتقون
ففيكن شر وفي الناس شر (يدخل حابي خلسة)
أنوبيس (مستمرا) :
وتقتلن عمي عيون السلاح
ويقتل قاتلهم عن بصر
لسان ابن آدم أو نابكن
كلا السائلين لعاب القدر
حابي :
سلام أبت
أنوبيس :
حابي؟
سلام لك يا حابي
حابي :
أمشغول أبي اليوم
بذات القرن والناب
وأنطونيوس مهزوم
وأكتافيو على الباب؟
أنوبيس (باستخفاف وهو يشير إلى أفعى) :
حابي، تقهقر ناحيه
تلك الخبيثة داهيه (يتقهقر حابي قليلا بينما يلهو الكاهن أنوبيس بالحقاق والقوارير)
تلك القوارير وذي الحقاق
غوث إلى مستنجد يساق
لكل سم عندها ترياق
حابي :
أبتي، من للرعيه
من لأوطاني الشقيه؟
خل حياتك في الأس
فاط واشعر بالرزيه
بعد حين تملأ الوا
دي الأفاعي البشريه
أبتي نحن من اليو
م عبيد القيصريه
أدن أذنيك على قد
سهما من أذنيه
واسمع البوق تجد من
أحرف الرق دويه
أنوبيس :
حابي، تقبل هذه القنينه
واقبض عليها بيد ضنينه
فإنها ذخيرة ثمينه!
حابي (لنفسه) :
يا للسماء لأبي!
تراه يستهزئ بي؟
ويح له، عساه ج
ن أو لعله نبي
أوحت له السماء عل
م غيبها المحجب
يعلم من يلدغ من
رقطاء أو من عقرب
لأحملن حقه
مثل تميمة الصبي
يا لك شيخا طيبا
يأتي بكل طيب! (مخاطبا أنوبيس الكاهن):
ريع الحمى أبي فكي
ف للحمى لم تغضب؟
دع الأفاعي واشتغل
بالأفعوان الأجنب
الوطن الملدوغ أو
لى اليوم بالمطبب
أنوبيس :
وأين كنت يا فتى
وأين فتيان الحمى؟
وأين فرسان المقا
ل هل مضوا إلى الوغى؟
أدرتم وجوهكم
ساعة دارت الرحى
تركتم أنطونيو
س وحده يلقى العدا
من أجلكم سل الحسا
م وإلى الحرب مشى
ما كان ضركم لو ال
تففتم على اللوا؟
أبعد أن حل على الن
يل وواديه القضا
ولم يجد من شيبه
ولا شبابه فدا
أتيت تدعوني كما
تدعو العجائز السما
الرأي ليس نافعا
إذا أوانه مضى (يدخل جند من حرس الملكة):
الجندي :
مولاي، ذات الجلالة
أنوبيس :
الملكة الآن عندي؟ (تدخل كليوباترا في حاشيتها)
كليوباترا :
تحية يا أبت
أنوبيس :
سيدتي في حجرتي
مري بما شئت يكن
وإن تحدى قدرتي
كليوباترا :
أبي، أعلمت أن الجيش ولى
وأن بوارجي أبت المضيا
أنوبيس :
علمت وكان ذلك في حسابي
وذا حابي به أفضى إليا
كليوباترا :
وهل نباك عن أنطونيوس
وكيف جرت هزيمته عليا
وما أدري أأردوه قتيلا
صباح اليوم أو أخذوه حيا؟
أبي ذهب الحليف فكن حليفي
فقد أصبحت لا أجد الوليا
أبي خفت الحوادث
أنوبيس :
لا تراعي
لباة النيل ليس تخاف شيا
كليوباترا :
أبي لا العزل خفت ولا المنايا
ولكن أن يسيروا بي سبيا
أيوطأ بالمناسم تاج مصر
وثمت شعرة في مفرقيا؟
أنوبيس (باستخفاف) :
لتأت المقادير أو فلتذر
تعالي كلوبترا ألقي النظر
كليوباترا :
أفاع؟ أبي، نحها، اخفها
أعوذ بإيزيس من كل شر
فماذا تريد بإحرازهن
وهل يقتني عاقل ما يضر؟
أنوبيس :
أتيت بهن لدرس السموم
ولم أخل في علمها من نظر
أداوي بها أو بترياقها
محب الحياة أو المنتحر
كليوباترا (كأنما تحدث نفسها) :
محب الحياة أو المنتحر!
كفى أيها الشيخ! بل هات زد
فما بي خوف ولا بي خور
وإن تك بي خشية في النساء
فلي جرأة الملكات الكبر
تكلم فليست سموم الأراق
م في الخبث دون سموم البشر
فيا رب صفو سقيت الرجال
فلما ترووا سقوني الكدر
أنوبيس :
قصار وهن سهام المنون
وليس يعيب السهام القصر
تمس الفريسة مس السنان
وتمضي مضاء الحسام الذكر
وكل الذي لمست مقتل
ولو أنشبت نابها في ظفر
إذا جرحت لم تقم عن دم
كذلك يجرح سهم القدر
ومائتها لا يحس المنون
كمن مات في النوم لا يحتضر
كليوباترا (مرددة قوله في صوت خافت) :
ومائتها لا يحس المنون
كمن مات في النوم لا
ولكن أبي هل يصان الجمال؟
أنوبيس :
نعم لا يحول ولا يندثر
كليوباترا :
وهل يطفأ اللون؟
أنوبيس :
لا بل يضيء
كما رف بعد القطاف الزهر
كليوباترا :
وهل يبطل الموت سحر الجفون
ويبلي الفتور ويفني الحور
أنوبيس :
كعهد العيون بطيف الكرى
إذا الجفن ناء به فانكسر
كليوباترا :
أبي، والشفاه؟
أنوبيس :
لواقي الذبول
كما احتضر الأقحوان النضر
وما الموت أقسى عليها فما
ولا قبلة من عوادي الكبر
كليوباترا :
وما عضة الناب؟
أنوبيس :
وخز أخف
وأهون من وخزات الإبر
كليوباترا :
وما شبح الموت؟
أنوبيس :
ماذا أقول؟
كليوباترا :
تمثله لي كأن قد حضر
أنوبيس :
زعمت ابنتي الموت شخصا يحس
وعظمت من خطبه ما صغر
وما هو إلا انطفاء الحياة
وعصف الردى بسراج العمر
وليس له صورة في العيون
على قبح صورته في الفكر
إذا جاء كان بغيض الوجوه
وإن جيء كان حبيب الصور
كليوباترا :
إذن هذه الرقط في ذمتي
فصنها وأحسن عليها السهر
وأقسم لتأت إلي بهن
ولو أن دوني الظبا والسمر
أنوبيس :
يمينا بإيزيس أحملهن
إليك ولو في سلال الخضر
إذا بات في خطر تاج مص
ر سبقت إليك بهن الخطر
كليوباترا :
أتجعل لي يا أبي آية
أميز الرسول بها إن حضر؟
أنوبيس :
هو التين أبعث حابي به
وبالرقط بين غضون الثمر •••
ابنتي ذلك محرا
بي ادخليه للصلاه
واسكبي الدمع عسى أن
يقبل الدمع الإله
هو ذو الملك الذي يب
قى ويفنى ما سواه (خارج الهيكل - ثلاثة جنود رومانية)
الجندي الأول :
تحيا روما
يحيا قيصر
الجندي الثاني :
روما العظمى
أبدا تنصر
الجندي الثالث :
ما ذاك؟ ما فوق الطريق؟ ما أرى؟
ميلا رفيقي معي لننظرا
الأول :
هناك مقتولان ضرجا الثرى
الثاني :
نعم أرى ثم دما وخنجرا
وهيكلين من حياة أقفرا
الثالث :
جبتار يا مصرف الحروب
بارك لنا في هذه الجيوب!
وابعث لنا بالذهب المحبوب
الأول :
يا عجب الأقدار! أنطونيوس؟
الثاني :
أنطونيو! أجل وذا أوروس!
وأحسب السيد مات بيده
ثم حذا العبد مثال سيده
لهفي على أنطونيو في مرقده (يئن أنطونيو ثم يحرك رأسه ويتبين الجنود)
أنطونيو :
ويحي أحي أنا جريح؟
ماذا يريد القضاء ماذا
جنود أكتاف أدركوني
يا ليتني مت قبل هذا
جندي :
لا بل جنودك لكن
خانوك حبا لروما
آخر :
وما نسوك عليهم
تحت اللواء زعيما
ترمي بهم مطلع الشم
س أو تؤم النجوما
أنطونيو :
يا جنودي وصحابي
ليس ذا وقت العتاب
اتركوني وعذابي (يغمى عليه)
جندي :
لهفي عليه عاده الإغماء
وأوشكت تنزفه الدماء
وليس إسعاف وليس ماء
آخر :
هلما احملاه هلما احملا
وجيئا بمولاكما الهيكلا
وأمضي فأبلغ أكتافيو ال
حديث أعرفه المنزلا (في حجرة الكاهن - كليوباترا والكاهن والحاشية عائدين من المحراب)
كليوباترا :
أبي دخلت ونفسي
حيرى الزمام حزينه
وقد تركت المصلى
وملء قلبي سكينه
إن الصلاة على شد
ة الزمان معينه (يسمع صوت الجند من الخارج)
كليوباترا :
ما تسمعون أصيخوا
شر وهذا بريده
كان الضجيج بعيدا
والآن يدنو بعيده
حابي :
أسمعتم! ضجة صاخبة
وجريح وجنود في الطريق
ها هم قد دخلوا الدار به
أنوبيس :
دارنا الشاطئ لا يأبى الغريق
حابي :
ها هم قد حضروا
أنوبيس :
يا مرحبا
أعدوا كان أم كان الصديق (يدخل الجنديان اللذان يحملان أنطونيوس)
كليوباترا :
ويح عيني ماذا ترى؟ ومن المح
مول كالسيف في الأكف خضيبا؟
أيها الجند ما بأيديكم اليو
م؟
جندي :
جريح على الطريق أصيبا
كليوباترا :
أفتدرون من حملتم؟
جندي :
حملنا
هيكلا عز في الرجال ضريبا
قد عرفناه خير من هز رمحا
ونضا صارما ولاقى الحروبا (تتأمل كليوباترا في وجه الجريح)
كليوباترا :
آه أنطونيو حبيبي
أدركوني بطبيب
ما ترون الأرض تروى
من دم الليث الصبيب
أبتي، أين قوى طب
ك والسحر العجيب
هو في إغماءة الجر
ح فنبهه بطيب
هو ذا يفتح عيني
ه ويصغي لنحيبي
أنوبيس (محاولا إسعاف الجريح) :
تلك أنفاسه توالى وهذا
جسمه لا يزال غضا رطيبا
هو ذا قد تخلجت شفتاه
وتهيا لسانه ليثوبا
أيها الملكة ارفقي بجريح
بات تحت الرداء جرحا صبيبا
لا تناديه بالدموع مرارا
ربما ضر جرحه أن يجيبا
أنطونيو :
كيلبترا! عجب! أنت هنا!
لم تموتي ... هم إذن قد كذبون
كليوباترا :
سيدي روحي حياتي قيصري
أنت حي؟
أنطونيو :
بعد حين لا أكون
كليوباترا :
من نعاني كذبا! من قالها
لك!
أنطونيو :
أولمبوس النذل الخئون
مر فاستوقفته أسأله
قال: ماتت فتجرعت المنون •••
كيلوباترا زوديني قبلة
من ثناياك العذاب الشبمات
وأضيئي بسناها مقلة
يسدل الموت عليها الظلمات
سيقول الناس عني في غد
من أولي الرحمة أو أهل الشمات:
بطل لم تظفر الحرب به
في الهوى تحت لواء الحب مات (يسلم الروح)
كليوباترا :
قد تداعى محور الأر
ض وميزان الشعوب
مال كالشمس جمالا
وجلالا في الغروب
أيها المجروح لو تد
ري جروحي وندوبي
أيها الذاهب قد آ
ن عن الدنيا ذهوبي
أيها الخالص ودا
ليس ودي بالمشوب
أيها الصادق وعدا
ليس وعدي بالكذوب
عن قريب ينطوي القب
ر علينا عن قريب
كللوه بالرياحي
ن وبالغار الرطيب
واهتفوا في أذنيه
بأناشيد الحروب •••
واحبيباه! جاءه الموت فاستس
لم لا يستطيع إلا ذهوبا
كان ما خفت أن يكون وحلت
نكبة لم تفاجئ المنكوبا (تستوي قائمة)
أيها الجند مات قيصر فابكوا
معي السيد الجسور الوهوبا
شبكوا ساعديه من فوق صدر
كان في الروع بالمنايا رحيبا
واعرضوا سيفه على راحتيه
واركزوا الرمح من يديه قريبا
لا بل امضوا لشأنكم جند روما
ودعوني وسيف روما السليبا
أنا وحدي له ديار وأهل
إن دعا داره ونادى النسيبا (ينسحب الجنود)
ويح لي قد طلبت عند طباع الن
اس ما عز عندهم مطلوبا
خلق الناس للقوي المزايا
وتجنوا على الضعيف الذنوبا
واحتفوا في الحياة والموت بالغا
لب فانظر هل عظموا مغلوبا
شيعوا الشاة جيفة بمداهم
واتقوا وهو في الرمام الذيبا
أنوبيس :
الوقار الوقار يا لبأة الني
ل ولا تجعلي الزئير النحيبا
وقفي للخطوب في عزة المل
ك وفي كبره تذلي الخطوبا (يدخل جندي من جنود أكتافيوس)
الجندي :
قيصر أكتافيوس آت
يعود أنطونيوس قيصر
كليوباترا :
قيصر! فر الأسير منه
من في حمى الموت ليس يؤسر (يدخل أكتافيوس ومعه جنود)
أكتافيوس :
سلام ملكة الوادي
سلام كاهن الملك
يقول الناس أنطونيو
هنا لم يبتعد عنك
كليوباترا :
نعم لم نفترق بعد
وإن أمعن في تركي
وهذا الجسد الفاني
جلاء الريب والشك
أكتافيوس :
إذن قد قضي الأمر
وصار الليث للهلك
كلوباترة لا تخشي
فلن آخذه منك!
كليوباترا :
أبي تهزأ أم بالمي
ت أم بالموقف الضنك
إن اسطعت على ما ل
ك من بطش ومن فتك
وما حولك من خيل
وما تحتك من فلك
فخذه من يد الموت
ومن عاجزة تبكي! (يدنو جندي من جنود أكتافيوس ليتحقق موت أنطونيوس)
كليوباترا :
مكانك يا عبد لا تهتكن
على سيد الهالكين القناع
تريد لتكشف عنه الغطاء
عسى تحته حيلة أو خداع
عبثت به وهو تحت الطيال
س ملقى السلاح قليل الدفاع
ولم تحتشم بقعا من دم
عليهن تحسد مصر البقاع
رويدك، ما الموت مستبعد
ولا هو مستغرب من شجاع
وإن التماوت فعل الثعال
ب ليس التماوت فعل السباع
أكتافيوس :
أناتك سيدتي إنه
فتى طاهر القلب حر الطباع
أراد ليحتاط لي جهده
ويخلص في خدمتي ما استطاع
تنح أخا الجند ما أنت والمي
ت! لا يقرب الشمس إلا شعاع!
أتأذن سيدتي أن أطي
ف بخدن الصدام رفيق الصراع؟
ومن كنت تحت القنا ظله
ومن كان ظلي تحت الشراع
وكنا نشيد لروما الفخار
ونجني لها الغار من كل قاع
ونأتي القلاع فنحتلها
وإن بعدت كالنجوم القلاع
ونركز في السهل أرماح روما
ونطلع أعلامها في اليفاع؟
بإذنك؟
كليوباترا :
قيصر لا إذن لي
أينهى ويأمر من لا يطاع؟
تصرف بجثمانه كيف شيء
ت فليس له اليوم منك
وما جثة الليث إلا لقى
إذا الناب طاحت أو الظفر ضاع (يتقدم أكتافيوس فيرفع القناع عن وجه أنطونيو)
أكتافيوس :
لقد حسم الموت ما بيننا
وغض اللجاج وفض النزاع
فمن حقي اليوم بل واجب
علي أقدسه أن يضاع
أقبل ما قبل الغار من
ك وأهتف: أنطونيوس الوداع
الفصل الرابع
«في القصر الملكي، في غرفة العرش، غرفة مطلة على البحر. كليوباترا متكئة على حافة الشرفة، شرميون وهيلانة في أقصى الحجرة تنهمر من عينيهما الدموع»
كليوباترا (كأنما تناجي نفسها) :
نام «مركو» ولم أنم
وتفردت بالألم
ليت جرحي كجرحه
لقي الموت فالتأم
قاتل الله ماضيا
قتل المفرد العلم
أنطوان انفض الكرى
ساعة وانقل القدم
قم كأمس اغنم الهوى
واشرب الراح بالنغم
وتخير على المنى
وتمتع من النعم
واغمر الأرض بالقنا
وتغلب على الأمم
وقد الخيل في الوها
د ووثبا إلى القمم
أيها العين أبصري
إنما كنت في حلم! (ملتفتة إلى شرميون):
يا شرميون بلغنا موقفا حرجا
لا الرأي ينفعنا فيه ولا الباس
لم يبق ثقب رجاء كنت ألمحه
إلا تعرض حتى سده الياس (تلقي نظرة على الإسكندرية من الشرفة)
نجمي يحدثني بوشك أفوله
إسكندرية، هل أقول وداعا؟
وشيت برك جدولا وخميلة
وكسوت بحرك عدة وشراعا
وأنا اللباة وقد ملأتك غابة
وأنا المهاة وقد ملأتك قاعا
قد خفت من بعدي عليك ممالكا
يطلقن فيك الفاتحين سباعا
يأتين زرعك بالرياح عواصفا
ويجئن ضرعك بالذئاب جياعا
فإذا الحضارة بعد طول بنائها
قد دك ركن بنائها وتداعى
شرميون :
بإيزيس سيدتي بالولاء
بطول التعاشر والمصطحب
بمالي ببابك من خدمة
ومن صحبة تشبهان النسب
على أي وجه أدرت المصير
وقلبت رأيك في المنقلب؟
فهذا السكون يثير الشكوك
وهذا الهدوء يثير الريب
وماذا اعتزمت؟ وماذا كتمت؟
أبيني فما بيننا من حجب
ولي في حياتك رأي يساق
وليس علي إذا لم يصب
كليوباترا :
إذن فاذكري أن خصمي العتيد
يخاف انتحاري ويخشى الهرب
وليس الذي يشتهي لي الحياة
ولكن له في حياتي أرب
له في غد موكب الفاتحي
ن إذا أقبلوا في جلال الغلب
يجرون في رومة الأرجوان
وقد برزت في الثياب القشب
وتزدان بالغار هاماتهم
إذا ارتفعت في الخميس اللجب
يحاول قيصر مني المحال
ويذهب في غير وجه الطلب
يريد ليعرضني في غد
على شعب روما كأني سلب
ويفضح مصر وسلطانها
وتاج العصور وعرش الحقب
لقد ساء تدبير أكتافيوس
ولم يلق من خدعتي ما أحب! (تسمع وطء أقدام)
ماذا وراء الباب؟
شرميون :
حس قادم
هيلانة :
أجل دبيب حارس أو خادم
كليوباترا :
بل حارس جاف
من حرس القصر
معربد الخطو
من نشوة النصر
لا تسع الأرض
رجليه من كبر
شرميون :
ملكتي دعي
هذه الفكر
جند رومة
يعبد البدر
في سبيلها
يركب الغرر
كليوباترا :
شرميون صه
إنه حضر (يدخل حارس)
الملكة :
ماذا وراء الجندي؟
الحارس :
رسالة من عبد
هل تأذنين؟
الملكة :
أد
الحارس :
أيها الملكة قد جا
ء إلى القصر غلام
في ثياب الحقل حلو ال
شكل ممشوق القوام
جادل الحراس في حذ
ق ورفق بالكلام
يدعي أن أباه
كان عبدا للمقام
ناله بستان تين
من أياديك الجسام
فهو يهدي لك باكو
رته في كل عام
الملكة (هامسة) :
شرميون ذاك حابي
وجناه في يمينه
جاء في الميقات يهدي
لي باكورة تينه (للحارس)
ألا تقبل يا حار
س مني هذه البدره؟
الحارس :
بشكران وهيهات
على الشكران لي قدره
الملكة :
والآن لو تحضر لي الفلاحا
لعله يحدث لي انشراحا
إني نسيت البسط والمزاحا
الحارس :
علي السمع والطاعه
سآتيك به الساعه (يخرج الحارس)
الملكة :
يا شرميون تعلمي الدنيا ويا
هيلانة اختبري الزمان القاسي
إن التي حرست بأبطال الوغى
باتت تصانع سفلة الحراس (يدخل حابي في ثياب فلاح ومعه الحارس)
هيلانة (همسا) :
حابي، نعم حابي وتلك نظرته
وهذه مشيته وخطرته
يا ليت شعري ما تكون سلته؟
حابي :
تحية للملكه
ونعمة وبركه
ونفس عبدها لها
وكل ما قد ملكه
سيدتي جئت إلى
بحرك أهدي سمكه
أحمل تينا ولو اس
طعت حملت مملكه
حابي :
سيدتي
الملكة :
أدن فإنه ابتعد
وقل فما يسمع غيرنا أحد
حابي :
سيدتي
الملكة :
حابي، أنوبيس اجتهد
لنا وأنجز الغداة ما وعد!
يريد أن يشفيني مما أجد
وأن يقي مملكتي عار الأبد
جئت كما يأتي لوقته المدد
وفيت لي حابي ولم تكن تفي
ضع السلال وانصرف لا بل قف
حتى ترى كيف يكون موقفي (تلقي نظرة على السلال)
ما لي ملئت من المنية رهبة
إن المنية في رقاب الناس
آسى الجراح جزعت عند لقائه
والنفس تجزع من لقاء الآسي
إني طويت بساط كل مدامة
لم يبق إلا شرب هذي الكاس
يا خادمي بل ابنتي تلطفا
في البحث حتى تأتيا بأياس
فعسى يغنيني نشيد الموت أو
نغما أجود عليه بالأنفاس
شرميون :
ملكتي نادي أياسا
إنه بالقرب منك
هو في المقصورة الأخ
رى مع الباكين يبكي
فكره فيك ولا يج
سر أن يسأل عنك
الملكة :
يا ويح صحبي بعد طول سرورهم
قعدوا إلى أحزانهم يبكونا
جيئي بهم يا شرميون لينظروا
جلدي فيهدأ بعض ما يجدونا (تخرج شرميون)
كليوباترا (تنحني على زنبقة في أصيص) :
زنبقة في الآنيه
ضحية الأنانيه
جنت عليها غربة الأس
ر الأكف الجانيه
وبدلت من سعة الر
بوة ضيق الباطيه
يسقونها من جرة
بعد العيون الجاريه
يا جارتا شأنك لا
يشبه إلا شانيه
لم يبق من ملكي العري
ض غير دار خاويه
وكلنا ذابلة
عما قليل ذاويه
زال النعيم وفرغنا
من حياة فانيه (ترجع شرميون ومعها أياس وأنشو وغيرهم)
الملكة (إلى أنشو) :
أنشو يعز علي أنك ساهم
يبدو عليك الهم والتفكير
أنشو ألا قول يسر وضحكة
إن السعيد الضاحك المسرور
قد كان أيسر ما صنعت يسرني
أعلى سروري اليوم أنت قدير؟
أنشو :
سيدتي جرى بما
فيه سرورك القدر
من لا تسره السما
ء لا يسره البشر
الملكة :
أياس، هل من صوت؟
غن نشيد الموت (أياس يغني هذا النشيد)
يا طيب وادي العدم
من منزل من منزل
لم تمش فيه قدم
للعذل واد خل
أنا فيه لحبيبي
وحبيبي فيه لي •••
يا موت مل بالشراع
واحمل جريح الحياه
سر بالقلوع السراع
إلى شطوط النجاه •••
شراعك الفضي
في لجه التبري
كالحلم في الغمض
يجري ولا يجري •••
في ظل ليل ساج
أقسم لا يسري
مغلل الديباج
مطيب الستر •••
في يقظة يظهر
لي أم أرى حلما
فلك من الجوهر
يخترق الظلما •••
على الدجى لماح
تحسبه نجما
ليس به ملاح
يسلكه اليما •••
أضوى من الفجر
في ظلمة الأسداف
من نفسه يجري
لم يجره مجداف •••
مد شراع النور
يا حسن ما مدا
كاللؤلؤ المنثور
لو ينفح الندا •••
يا لك من زورق
ملاحه الأقدار
ينجو به المغرق
من لجة الأكدار (يدخل الحارس)
الملكة :
ما وراء الحارس؟
الحارس :
الطا
عة يا ذات الجلاله
قائد يحمل من قي
صر أكتافو رساله
الملكة :
أدخله، ادخل
رسول قيصر (يخرج الحارس ويدخل القائد)
القائد :
قيصر العالي إلى
سيدتي يهدي التحيه
هو في الثكنة بالقر
ب من الدار السنيه
يظهر العطف عليها
وهي بالعطف حريه
ويقول الأمر ما تأ
مر في الإسكندريه
ولها الوادي وما يح
مل ملكا ورعيه
وبنوها يرثون ال
ملك من روما الوصيه
وإذا حلت بروما
وجدت روما حفيه
تتلقاها كأعلى
درة في القيصريه
ما الذي تقترح المل
كة ما تملي عليه
لتقل سيدتي حا
جتها تقض العشيه
كليوباترا (كأنما تناجي نفسها) :
وإذا حلت بروما
وجدت روما حفيه!
تتلقاها كأغلى
درة في القيصريه! (تضحك في تهكم وألم)
أيها القائد أدي
ت فأحسنت الأداء
بلغن قيصر عني
كل شكر ودعاء
ثم زد أمنية قد
بقيت لي ورجاء
أنا لا أكتمه ما
سر من أمري وساء
لي سر كاد عن نف
سي يزويه الخفاء
صنته عن صاحباتي
وصحابي الأمناء
حبذا لو زارني قي
صر في هذا المساء
وله الشكر إذا لم
يأت أو إن هو جاء
القائد :
سأذكر مولاتي لمولاي قيصر
وأنقل ما أبديت من رغبات
ولم لا يلبي دعوة الحسن طائعا
ويسعى له مستعجل الخطوات؟
وقد كان يوليوس يقوم ببابه
ويمثل أنطونيوس في العتبات!
كليوباترا (بعظمة) :
أسأت أخا الرومان فهم
القائد :
إذن فهبي لي تلك من هفواتي (يخرج القائد)
كليوباترا :
أراني لم يحسن إلي معاصري
ولم أجد الإنصاف عند لداتي
فكيف إذا ما غيب الموت ذادتي
وبدد أنصاري وفض حماتي!
كأني بعدي بالأحاديث سلطت
على سيرتي أو وكلت بحياتي
وبالجيل بعد الجيل يروي زخارفا
فمن زور أخبار وإفك رواة
يقولون أنثى أفنت العمر بالهوى
بهيمية اللذات والشهوات
فدا لغرامي بالرجال وحسنهم
غرام الغواني أو هوى الملكات
فليس الغلام البارع الحسن فتنتي
ولا الرائع الأجلاد والعضلات
ولم يستثر وجدي من الروم فتية
جنون العذارى فتنة الخفرات
ولا كل غصن من بني مصر مائل
يطير إليه قلب كل فتاة
يموتون بي عشقا ويشقون بالهوى
فكم من حياة في يدي وممات
ولكن عشقت العبقرية طفلة
وفي الغافلات البله من سنواتي
كلفت بكهل أحرز الأرض سيفه
وحيزت له الدنيا من الجنبات
إذا هب من غرب البلاد تلفتت
بلاد بأقصى الشرق منذعرات
تعثر حظي بعد طول سلامة
وأقلع نجمي بعد طول ثبات
ومن يمش في ورد الأمور وشوكها
يعد الخطا أو يحسب العثرات (تنظر إلى السلال)
يا مرحبا بالسله
والرقب المطله
الكافياتي الذله (ينسحب الجميع مطرقين ما عدا الملكة ووصيفتها وحابي)
كليوباترا :
ادخلي بي يا شرميون على طف
لي أودعهم الوداع الرهيبا
فعساهم إذا تحجب صدري
وجدوا صدرك الحفي الرحيبا (لحابي وهيلانة)
ولدي اهجرا القصور فإني
قد وجدت النعيم فيها غريبا
ولها ضجة وفيها فضول
يرهق الحب واشيا ورقيبا
خليا عنكما المدائن يا اب
ني فضوضاؤها تميت القلوبا
إن لي في سهول طيبة حقلا
طيب الماء والهواء خصيبا
غرسته يد الشباب فأضحى
وارفا كالشباب حسنا وطيبا
ألف الحب من نواحيه أيكا
جمع الطير هاتفا ومجيبا
يسمع البلبل العشيقة فيه
وتغني الأليفة العندليبا
أفق لا يظل إلا محبا
وثرى لا يقل إلا حبيبا
اشربا من كرومه واسقياها
صافي الحب والهوى المسكوبا
والعبا عند كل ماء غدير
تريا الماء للحباب لعيبا
وسلا الورد هل تنفس في الور
د وهل ناسم البعيد القريبا
أدركا لذة الشروق ولما
تبلغ الشمس بالحياة الغروبا (تخرج كليوباترا وشرميون)
حابي :
هيلان، هذا مقال النصح من ملك
فما ترين وما تنوين هيلانا
هلم طيبة ننزل في خمائلها
ونبن مثل بناء الطير دنيانا
كطائرين على بحر وعاصفة
قد آنسا من وراء الشط بستانا
تداركتنا أبر المالكات به
وأشرف الناس إحساسا ووجدانا
هيلانة :
حابي، عرفت الخلال
وكنت أمس أقل الناس عرفانا
حابي :
خلي الجفاء حياتي إن ساعته
مضت وهذا أوان السلم قد آنا
الله يشهد أني قد سدلت على
ما كان من نزعات الرأي نسيانا
وأنني اليوم أبكيها وأندبها
ولا أقيس بها في الطهر إنسانا
اليوم ضحت وزكاها الفداء كما
زكى المقرب باسم الله قربانا
هيلانة :
إن التي شب في نعمائها صغرى
ونبهت لي في سلطانها شانا
إن لم أمت دونها أو لم أمت معها
فما جزيت عن الإحسان إحسانا
حابي :
والحب هيلان؟ ماذا
هيلانة :
إن الصداقة فوق الحب أحيانا
حابي أراها أزمعت
وأرى الفجيعة واقعه
فاذهب فجئ بأنوبس
فعسى يرد الفاجعه
حابي :
وسواء أردها
أم أبى ذلك القدر
في غد أيها الملا
ك إلى طيبة السفر (يخرج حابي)
هيلانة :
ويح حابي اعتقاده
أن سأحيا فنلتقي
ليتني نلت قبلة
منه قبل التفرق (تدخل كليوباترا وفي أثرها شرميون)
كليوباترا :
بروحي وإن لم تبق مني بقية
صغار ورائي ذوق اليتم نوح
أذوب لبلواهم وأعلم أنني
حملت عليهم ما يجل ويفدح
وقد أشتهي عيش الذليل لأجلهم
فلا المجد يرضى لي ولا النبل يسمح
فصفحا صغاري إن شقيتم بمصرعي
وإني لأرجو أن تغضوا وتصفحوا
وداعا صغاري صير الله يتمكم
إلى خير ما يكفي اليتامى ويصلح
أطفت بكم والنوم تسري سناته
على صفحات كالأهلة تلمح
وما منكم في الخز إلا حمامة
عليها طليل ناعم الفرع أفيح
تنام وما تدري الكرى ما وراءه
ولا الصبح في ظل الربا كيف يصبح
أتغدو على الدنيا كأمس طليقة
ضحى اليوم أم يغدى عليها فتذبح؟ (ملتفتة إلى هيلانة وشرميون):
فيم هيلانة تبك
ين وأنت شرميون
كفكفا الدمع فلا شد
ة إلا وتهون
واعلما بنتي أن ال
بؤس والنعمى ديون (تركع أمام تمثال إيزيس)
اليوم أقصر باطلي وضلالي
وخلت كأحلام الكرى آمالي
وصحوت من لعب الحياة ولهوها
فوجدت للدنيا خمار زوال
وتلفتت عيني فلا بمواكبي
بصرت ولا بكتائبي ورجالي
وطئت بساطي الحادثات وأهرقت
كأسي وفضت سامري ونقالي
إيزيس ينبوع الحنان تعطفي
وتلفتي لضراعتي وسؤالي
أنت التي بكت الأحبة واشتكت
قبل الأرامل لوعة الإرمال
إني وقعت على رحابك فارحمي
ذل الملوك لمجدك المتعالي
هل تأذنين بأن أعجل نقلتي
وأحث عن دار الشقاء رحالي
وعلاك ما أدع الحياة جبانة
أو ضيق ذرع أو قطيعة قالي
إني انتفعت بعبقري جمالها
وتمتعت من عبقري جمالي
وجمعت بين شعورها وعواطفي
وقرنت رحب خيالها بخيالي
ووجدتها قد خلدت أبطالها
فبسطت سلطاني على الأبطال
بنت الحياة أنا وتشهد سيرتي
ما كنت من أمي سوى تمثال
منها تناولت الرياء وراثة
وأخذت كل خديعة ومحال
وقسوت قسوتها ولنت كلينها
واقتست في صدي بها ووصالي
ولربما رشدت فسرت برشدها
وغوت فأغوتني وضل ضلالي
ووجدتها حبا يفيض ولذة
فجعلت لذات الهوى أشغالي
يومي بأيام لكثرة ما مشت
فيه الحياة وليلتي بليالي
ولقد لقيت من الحياة صبية
ما جل من بؤس ورقة حال
فخلعت ملكي طفلة وشردت في
صدر الصبا ورأى المكاره آلي
شرعت علي السوط في كتابها
واليوم تضربني بدرس غالي
يا موت هل حرج على مستنجد
بك أن يسابق واقع الآجال
يومي أعجله ولو لم أنتحر
للقيت يوما ما له من تالي •••
يا موت أنت أحب أسرا فاسبني
لا تعط روما والشيوخ عقالي
يا موت لا تطفئ بشاشة هيكلي
واحفظ ظواهر لمحتي وجلالي
يا موت طف بالروح واسرقها كما
سرق الكرى عين الخلي السالي
حتى أموت كما حييت كأنني
بيت الخيال ودمية المثال
وكأن إغماض الجفون تناعس
وكأن رقدتي اضطجاع دلال
سر بي إلى أنطونيو في نضرتي
ورواء جلبابي وزينة حالي (تقوم إلى إحدى السلال فتكشف التين عن أفعى):
هلمي الآن منقذتي هلمي
وأهلا بالخلاص وقد سعى لي
شربت السم من فيك المفدى
بسلطاني وزدت عليه مالي
على نابيك من زرق المنايا
شفاء النفس من سود الليالي
وبعض السم ترياق لبعض
وقد يشفى العضال من العضال
دعوت الراحة الكبرى فلبت
فبعدا للحياة وللنضال
هلمي عانقي أفعى قصور
بها شوق إلى أفعى التلال
سطت روما على ملكي ولصت
جواهر أسرتي وحلي آلي
فرمت الموت لم أجبن ولكن
لعل جلاله يحمي جلالي
فلا تمشي على تاجي ولكن
على جسد ببطن الأرض بالي
وقد علم البرية أن تاجي
نمته الشمس والأسر العوالي
يطالبني به وطن عزيز
وآباء ودائعهم غوالي
أأدخل في ثياب الذل روما
وأعرض كالسبي على الرجال؟
وأحدج بالشماتة عن يميني
ويعرض لي التهكم عن شمالي؟
وألقى في الندي شيوخ روما
مكان التاج من فرقي خالي؟
وأغشى السجن تاركة ورائي
قصور العز والغرف الحوالي؟
وتحكم في روما وهي خصمي
وتسرف في العقوبة والنكال
يراني في الحبائل مترفوها
وقد كان القياصر في حبالي
إذن غير الملوك أبي وجدي
وغير طرازهم عمي وخالي
سأنزل غير هائبة إذا ما
تلمظت المنية للنزال
أموت كما حييت لعرش مصر
وأبذل دونه عرش الجمال
حياة الذل تدفع بالمنايا
تعالي حية الوادي تعالي (تتناول الأفعى وتمهد لها من صدرها فتلدغها ثم ترميها إلى السلة)
يا ابنتي ودي ... هلما ...
زيناني ... للمنيه
غللاني ... طيباني ...
بالأفاويه ... الزكيه
ألبساني حلة ... تع
جب أنطونيو ... سنيه
من ثياب ... كنت فيها
أتلقاه ... صبيه
ناولاني التاج ... تاج الشم
س ... في ملك ... البريه
وانثرا بين يدي عر
شي ... الرياحين البهيه (تموت بين وصيفتيها)
شرميون (تتناول من إحدى السلال أفعى) :
كلوبترا ويا لهفي
عليك يا كلوبترا
وصيفاتك في الدنيا
وصيفاتك في الأخرى (وتمهد لها من صدرها فتلدغها وتموت)
هيلانة (تفعل ما فعلته شرميون) :
كلوبترا ذهبت اليو
م بالدنيا كلوبترا
تعالي أيها الأفعى
أريحيني أنا الأخرى (يدخل أنوبيس وحابي)
أنوبيس :
انسلت المهرة من قيدها
وأفلت الطير من الصائد!
حابي :
هيلان، يا لهفا على الحبيبة
على الجمال وعلى الشبيبه
على الفتاة الحرة النجيبه (يتحسس جسمها)
يا للحياة ما تني دبيبا
أبي، تأمل جسمها الرطيبا
واسمع تجد لقلبها وجيبا
أنوبيس :
حابي، نسيت حقة
حابي :
هيهات أعصيك أبي هيهات
إن أنس أشياءك أنس ذاتي! (يخرج الحقة من جيبه)
خذها
أنوبيس :
بل اسكب في فم الفتاة
لعلها تصحو من السبات (يشتغل حابي بإيقاظ هيلانة)
أنوبيس (على جثة كليوباترا) :
بنتي رجوتك للضحية والفدا
فوجدت عندك فوق ما أنا راجي
إن تصبحي جسدا فنفسك حرة
وعلاك سالمة وعرضك ناجي
سيقول بعدك كل جيل منصف
ذهبت ولكن في سبيل التاج (ثم يلتفت إلى جثة شرميون):
وأنت أيضا شرميون
مت ولكن ميتة شريفه
ما أعظم الملكة والوصيفه!
حابي :
أدن أبي ألق النظر
يا لعجائب القدر!
أنوبيس :
أحدث ترياقي الأثر؟
حابي :
انظر أبي ترياقك ال
محسن ماذا منحا؟
انظر فهذا ملكي
من رقدة الموت صحا
قد فتح العينين بع
د اليأس من أن تفتحا
وهذه أنفاسه
ريحانها قد نفحا
مولاي قد قربت من
سعادتي ما نزحا
أنت الذي رددتها
روحا وكانت شبحا
يا قلب كيف لم تطر
عن الضلوع فرحا
هيلانة :
يا ويح لي! ويح ليه
هل صدقتني عينيه؟
حابي أفي الدنيا أنا؟
حابي :
بل أنت دنياي هنا
هيلانة :
منذا جنى عليه
حتى بعثت حيه؟
حابي :
أبي الذي شفاك يا ملاكي
أنوبيس :
لا بل ملاك الحب قد شفاك
وأدمع الإخلاص من فتاك
هيلانة :
أبي لقد مر علي الموت
وكنت من عذابه نجوت
علام حلت بينه وبيني؟
الموت لا يذاق مرتين (ترى جثة الملكة وهي تتلفت)
رحماك آلهة الوادي ذهلت فلم
أذكر ملاكا وراء العرش مضطجعا
بالأمس، لا، بل اليوم التحقت به
صرعت بالناقع الساري كما صرعا
لقد رحلنا عن الدنيا الغرور معا
ما لي رجعت إلى الدنيا وما رجعا
ليت الطبيب الذي داوى فأخرجني
إلى الحياة على الدنيا به طلعا
مليكتي، ربتي، صفحا ومغفرة
إن المروءة كانت أن نموت معا
الكاهن :
بنيتي ...
هيلانة :
صه أبي،
الكاهن :
لا أنت واهمة
فلستما في ملاقاة الردى شرعا
وقفتما موقفا في الخطب مختلفا
لو جربت فيه غير الموت ما نفعا
حابي :
تعالي نحي في الحقل
مع الطير كما تحيا
هلمي الحب هيلا
نة فالحب هو الدنيا
أبي دونك باركنا
وإن شئت فشاركنا
أنوبيس :
إذا فارقت محرابي
فمن يبكي على مصرا؟
سأبقى ها هنا ابني
إلى أن أقضي العمرا
هلما ابني باسم الل
ه سيرا وابنيا الوكرا
هلما جنة الوادي
هلما طيبة الغرا
لئن فرقنا الدهر
فقد تجمعنا الذكرى (يخرجان) (يسمع صوت بوق)
أنوبيس :
البوق دوى
قيصر أقبل (يدخل حارس)
الحارس :
مولاي قيصر (يتنحى عن الباب ويدخل قيصر وفي معيته الطبيب أولمبوس):
أنوبيس :
ما يبتغي قيصر من أسيرته؟
إن التي أعدها لزينته
يدخل روما وهي في كتيبته
تزيد في موكبه وقيمته
ماتت ولم تنزل على مشيئته
بورك في النيل وفي عقيلته
قيصر :
آلهة الرومان، ماذا أرى؟
امرأة تسخر من قائد
قد أبطلت كيدي على ضعفها
ولم تزل تسخر بالكائد
في الجسد الحي تمنيتها
لم أبغها في الجسد البائد (يركع قيصر عند جثة كليوباترا)
أنوبيس (لنفسه) :
الحادث العجيب
قيصر والطبيب
يغدرها وعهده
ببابها قريب
أكتافيو :
عجيب يا طبيب أرى قتيلا
ولكن لا أرى أثر الجراح!
أليست في الفناء أرف لونا
وأندى من رياحين الصباح
فهل تدنو فتكشف كيف ماتت
أبالسم الزعاف أم السلاح؟ (يقترب أولمبوس وينحني على صدر الملكة من الناحية التي رميت فيها الأفعى)
أولمبوس :
جبين مشرق الغره
ووجه ضاحك نضره
وعينان كأن المو
ت في جفنيهما كسره
وهذا فمها تبدو ال
منايا عنه مفتره
ولكن قيصر ادن انظر
هنا السر هنا العبره
فبين السحر والنحر
كمثل الخدش من إبره
مكان الناب من صل
شديد البأس والشره (تلدغه الأفعى)
إلهي، قيصري، آه
لقد مست يدي جمره
سرى السم بأعضائي
وعمت جسدي فتره
وجاءت سكرة الموت
فلا صحو ... من السكره (ثم يسقط ميتا)
أكتافيوس :
ويل النفوس من فجاءات القدر!
وويح ألمبوس بالأفعى عثر
أنوبيس (لنفسه) :
قد وقع الحافر فيما قد حفر
قيصر :
وداعا كلوبترا إلى يوم نلتقي
وتنفض عنها الهامدين المقابر
محا الموت أسباب العداوة بيننا
فلا الثأر ملحاح ولا الحقد ثائر
وما استحدثت عند الكرام شماتة
صروف المنايا والجدود العواثر
وداعا وإن نحن اقتتلنا وجردت
حساميهما أوطاننا والعشائر
تحديتني بالموت حتى قهرتني
وما لي سلطان على الموت قاهر
ترفعت عن قيدي ومت عزيزة
وأيدي المنايا للقيود كواسر
وأنت التي نازعت روما مكانها
وجرت بناديك القيود القياصر
لعبت بأنطونيو ويوليوس حقبة
كما جاء بالمسحور أو راح ساحر
وما أنا إلا سيف رومة باترا
أصيب به سيف لرومة باتر
زجرت فلم أسمع فقاتلت مكرها
وفي الحرب إن لم تردع السلم زاجر
وأنطونيو صهري الكريم بمثله
يطاول أنساب الملوك المصاهر
وداعا عروس الشرق كل ولاية
وإن هزت الدنيا لها الموت آخر (يخرج أكتافيوس وحاشيته وتزف التحايا له من الأبواق والحناجر خارج القصر)
أنوبيس :
أكثري أيها الذئاب عواء
وادعي في البلاد عزا وقهرا
أنشدي واهتفي وغني وضجي
واسبحي في الدماء نابا وظفرا
لا وإيزيس ما تملكت إلا
واديا من ضياغم الغاب قفرا
قسما ما فتحتم مصر لكن
قد فتحتم بها لرومة قبرا
Shafi da ba'a sani ba