صب الماء عليها وقيل إلى الكعبين فجئ بالغاية لإماطة ظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة انتهى فلا يخفى ما فيه من التعسف الشديد والتمحل البعيد ومن ذا الذي قال بوجوب الإقتصاد في غسل الرجلين وأي إسراف يحصل بصب الماء عليها ومتى ينتقل المخاطبون بعد عطفها على الرؤس الممسوحة وجعلها معمولة لفعل المسح إلى أن المراد غسلها غسلا يسيرا مشابها للمسح وهل هذا إلا مثل أن يقول شخص أكرمت زيد أو عمر أو أهنت خالدا وبكرا فهل يفهم أهل اللسان من كلامه هذا إلا أنه أكرم الأولين وأهان الآخرين ولو قال لهم أني لم أقصد من عطف بكر على خالد أنني أهنته وإنما قصدت أنني أكرمته إكراما حقيرا قريبا من الإهانة لأكثروا ملامه وزيفوا كلامه وحكموا بأنه خارج عن أسلوب كلام الفصحاء ألا ترى إلى حكم علماء المعاني بأن قول العباس الأحنف سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا خارج من قانون الفصاحة لبعد انتقال السامع من جمود العين إلى ما قصده من الفرح والسرور ولا أظنك ترتاب في أن الانتقال إلى المعنى الذي تمحله صاحب الكشاف أبعد من الانتقال إلى المعنى الذي قصده العباس وأما جعله التحديد بالكعبين قرينة على أن الأرجل مغسولة واستناده في ذلك إلى أن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة فعجيب لأنه إن أراد أن مطلق المسح لم تضرب له غاية في الشريعة ولم ترد به الآية الكريمة فهو عين المتنازع بين فرق الإسلام وإن أراد أن مسح الرأس لم تضرب له غاية فأين القرينة حينئذ على أن الأرجل مغسولة وأعجب من ذلك أنه لشدة اضطرابه في تطبيق قراءة الجر على مدعاة قد ناقض نفسه في كلامين ليس بينهما إلا أسطر قلائل ألا ترى إلى أنه قال عند قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم فإن قلت هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الوجوب و لهؤلاء على وجه الندب قلت لا لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية ثم إنه حمل قوله تعالى وامسحوا برؤوسكم على ما هو أشد ألغازا وأكثر تعمية من كثير من الألغاز والمعميات وجاز تناول الكلمة لمعنيين مختلفين إذ المسح من حيث وروده على الرؤس يراد به المسح الحقيق ومن حيث وروده على الأرجل يراد به الغسل القريب من المسح فحقيق أن يقال أيها الحاذق اللبيب كيف احترزت عن إجراء كلام الله تعالى مجرى اللغز والمعمى حين أمر سبحانه بغسل الوجه واليدين ولم تحترز عن ذلك حين أمر جل شأنه بمسح الرأس والرجلين ولم جوزت في آخر كلامك ما منعت منه في أوله وهل لاحظت في ذلك نكتة لطيفة أو دقة معنوية أو هو تحكم محض وتعسف صرف لينطبق به قراءة الجر على وفق مرادك وطبق اعتقادك درس قد عرفت ما تمحله الغاسلون في تفسير الآية الكريمة وما حملوها عليه من المحامل البعيدة السقيمة فلنذكر الآن بقية كلامهم في إتمام مرامهم فنقول واحتجوا على الغسل بعد ما زعموا دلالة الآية عليه بما رواه البخاري في صحيحة عن عبد الله بن عمر قال تخلف عنا النبي صلى الله عليه وآله في سفر فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار وبما رواه صاحب المصابيح عن أبي حية قال رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم ثم قال أردت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وآله وبما رواه عن ابن عباس أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وختم بغسل رجليه وبما رواه عن عايشة أنها قالت لأن تقطعا أحب إلى من أن أمسح على القدمين بغير خفين و بما رواه عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه فأمره أن يعيد الوضوء وأجاب أصحابنا بأن ما رويتموه عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه معارض بما تواتر عن أئمة أهل البيت
Shafi 289