Mashariq Anwar Al-Uqul
مشارق أنوار العقول
Nau'ikan
( (وذهب) آخرون إلى التفصيل فقالوا: إن تاب هذا المستحل وفي يده شيء من المغتصبات قائم العين لزمه رده إلى أربابه وإن تاب وليس في يده ما هو قائم العين فلا غرم عليه وكأن هؤلاء نظروا إلى قوله تعالى ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))([9]) وإلى قوله تعالى ((وما جعل لكم في الدين من حرج))([10]) وجه الاستدلال بهاتين الآيتين إن من كان مستحلا لشيء لا يكاد يتوقف عنه عند القدرة عليه فهو منهمك فيه ومتهور منه فإن ظهر له خطأه وأراد التوبة منه لا يكاد أن يتيسر له الخلاص منه لعظم ما أتلفه فحصلت له المشقة والحرج ولا مشقة ولا حرج عليه في رد ما كان في يده فظهر الفرق عند هؤلاء، وعلى هذا المذهب عولت في النظم ثم ظهر لي بعد ذلك ضعف هذا القول ووجه ضعفه أن علته هذه غير مطردة لأن من تهور من شيء وهو منتهك له لزمه غرمه اتفاقا سواء شق عليه ذلك أم لا، فلو كان شدة العسر ووجود المشقة رافعين للضمان لرفعاه عن هذا المنتهك المتهور أيضا؛ فظهر أن العلة الرافعة للضمان إنما هي الاستحلال مطلقا أو مقيدا بالتوبة، كما هو عند أهل القول الأول أو الشرك مطلقا أو مقيدا بالإسلام كما هو عند أرباب القول الثاني، وإذا دار الأمر بين ترجيح المذهب الأول والثاني قلنا: إن الراجح أن العلة الرافعة للضمان هي الشرك بقيد الإسلام فلا يكون ما اغتصبه المشرك ملكا له حتى يسلم عليه لما مر، ولا يشترط في المشرك أن يكون مستحلا لما اغتصبه لما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حط ضمان ذلك عن جميع المشركين من أهل الكتاب أو غيرهم ولا شك أن أهل الكتاب يعرفون حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: ((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم))([11]) ومن عرف الحق لا يعتقد حل معاندته ولا قتال أهله ولا يستحل أموالهم فظهر بحمد الله أن العلة في ذلك هي الشرك بقيد الإسلام. ولا يعترض علينا بحط المسلمين للضمان عن عائشة فيمن قتل يوم الجمل وبقولهم إن عليا لو تاب لم يكن عليه غرم ولا قود في أهل النهر لأنه ليس بالمجتمع عليه لوجود الخلاف في المسألة. (قوله في أعدل الأقوال) إشارة إلى الخلاف المذكور آنفا، وترجيح لعدم التغريم في هذه الصورة، وهذا الترجيح هو المشهور، وقد عرفت ما فيه (قوله وإن يكن في يده) أي في ملكه (قوله ما قد كسب) أي من الشيء الذي كان قد استحل كسبه (قوله عليه أن يرده) أي على أحد قولين فيه.
(قوله لمن سلب) إي لمن سلبه منه ومعنى سلبه اختلسه فالواجب أن يرده إلى أن من أخذه من يده سواء كان ذلك المأخوذ من يده صاحب الحق أم كان أمينه أو نحو ذلك فيه إشارة إلى جواز رد الشيء إلى اليد التي أخذ منها ولو لم يكن لها إذا كان الشيء باقيا بعينه، أما إذا أتلف فلا يرد إليها ضمانه إلا إذا كان ربه.
(قوله وحكمه محرم حين فعل) أي والحكم في فاعل الشيء يجب فيه الضمان أنه محرم لفعله فيحكم عليه الحاكم بغرمه، وإن قال إنه مستحل لفعله فلا يقبل منه لأنه مدع لرفع الضمان عنه حتى يأتي بحجة أنه كان مستحلا حال فعله هذا كله فيما إذا طلب منه مع الحاكم ضمان ما أتلفه أما إذا لم يطلب منه مع الحاكم ذلك فهو أعرف بنفسه فإن كان يعلم منها أنه غير مستحل فعليه غرم ذلك وإن لم يطلب منه وإن كان يعلم منها أنه مستحل فلا غرم عليه على ما في النظم. (قوله حتى يصح) أي بوجه من وجوه الصحة كالشهرة أو شهادة العدلين (قوله أنه قد استحل) أي لفعله ذلك ويكفي في ثبوت الصحة أن يقول العدلان مثلا إن فلانا هذا كان على دين كذا إلى وقت كذا.
------------------------------------------------------------------
[1] سورة الأنفال آية رقم 36
Shafi 367