Mashahid Mamalik

Idwar Ilyas d. 1341 AH
99

Mashahid Mamalik

مشاهد الممالك

Nau'ikan

قسم الصور والرسوم، طوله من الداخل 365 قدما، وعرضه 210، وارتفاعه 95، وفيه قبة من الرخام ارتفاعها 150 قدما، أنفقوا على بنائها مليونا ونصف مليون من الريالات.

هذه الأقسام العامة في المعرض، وأما الخاصة فكان فيه بناء عظيم للحكومة عرضت فيه الآلات القتالة، كالمدافع والبنادق، وأمثلة على شكل البواخر الحربية، وقسم لكل ولاية من الولايات المتحدة بني أكثرها على الطرز الخاص بتلك الولاية وملئ بأنواع الأبضعة الفاخرة وأدلة التقدم العظيم. وكان في أرض المعرض سكة حديدية ينتقل فيها المتفرجون من أحد جوانبه إلى الآخر؛ نظرا لاتساع أرضه وأقيمت فيه المطاعم البديعة، وأشهرها للخواجات بروفانسو جاءوا من باريس لهذا الغرض، وقد بلغت نفقات هذا المعرض 6 ملايين ريال أميركي، جمع الأهالي منها بالاكتتاب خمسة ملايين، فلما لم يكف ساعدتهم الحكومة بمليون واشترطت أن يرد إليها المليون من إيراد المعرض بعد اشتغاله.

وأما افتتاح المعرض فكان يوم 10 مايو من سنة 1876، وقد تم باحتفال عظيم من الحكومة والأهالي معا، فإنه لما جاء اليوم الموعود حضر رئيس الولايات المتحدة، وهو يومئذ جناب الجنرال غرانت المشهور، وجاء معه من واشنطن عاصمة البلاد وزراء الجمهورية ونواب الولايات وأعضاء مجلس الشيوخ وكبراء الحكومة، فوصلوا في قطار خاص كثير الزخارف، ونزل الرئيس ضيفا على المستر تشايلد، وهو من سراة هذه المدينة وصاحب جريدة لدجر المشهورة، التي لا يقل الربح منها عن مائتي ألف ريال في السنة، ذلك فضلا عن إيراد المستر تشايلد من أمواله وأملاكه الأخرى، وهو مثل أكثر أصحاب الملايين في الولايات المتحدة جاء مهاجرا يطلب الرزق في بدء عمره؛ فجمع ثروته الطائلة بالجد والدأب وحسن التوفيق، وكان وصول رئيس الجمهورية ومن معه إلى فلادلفيا قبل افتتاح المعرض بيوم واحد، فلما كان الغد ازدحمت الطرق من جميع الجوانب بخلق كثير من الأميركيين والسياح المتفرجين، وملئت جوانب الحديقة التي أقيم فيها المعرض بالناس على اختلاف الأجناس، وجاء الرئيس إلى منصة بديعة في الحديقة أمام القسم العمومي زينت بالأزهار والأعلام على شكل يسحر الناظرين، وكانت الطرق كلها يحرسها جنود أرسلوا من كل الولايات لهذا الغرض، فرقة من كل ولاية. فلما رقي رئيس الجمهورية تلك المنصة جلس إلى كرسي كبير وضع له في وسطها، وجلس إلى يمينه المدير العام للمعرض وإلى شماله المدير المالي للمعرض، وجلس من ورائه وزراء الجمهورية وكبراؤها وأعضاء مجلس الأمة والشيوخ وحكام الولايات، وإلى جانبيه من هنا ومن هنا مندوبو الممالك والدول الأخرى وبعض خاصة المدعوين، وكان في الحديقة منصة أخرى تجاه هذه المنصة وقف فيها خمسمائة سيدة؛ لينشدن نشيد الاستقلال بصوتهن الرخيم، فلما تم عقد ذلك المجلس المهيب وقف جناب رئيس الجمهورية، وقال: «إني أفتح هذا المعرض بعد مرور مائة عام على استقلالنا، مظهرا لأمتنا وللأمم الأخرى نتيجة تقدمنا في قرن واحد من الزمان، وإني أسأل الله تعالى أن يحفظ ولاياتنا المتحدة.» فتصاعدت أصوات التأمين على هذا الدعاء من أربعمائة ألف نفس تجمعت في حديقة المعرض، ثم أطلقت المدافع مائة وواحدا، ونزل الرئيس من تلك المنصة فدخل أقسام المعرض والجموع من ورائه، وجعل يتفقدها قسما قسما، وكان كلما جاء قسما من أقسام الدول الأجنبية يلاطف المندوبين فيها بالكلام الرقيق حتى إذا وصل قسم الآلات الصناعية صدر أمره بتشغيلها، فصدع العمال بالأمر، وجعلت تلك الآلات هذه تدق وهذه تثقب وهذه تخرط وهذه تضغط وهذه تدور، وكان لها دوي هائل. ولما زار معرض الزراعة أمعن نظره في آلات الزرع والحرث والحصد وغير هذا، وكان في ذلك القسم آلات ترفع الماء من حوض وتصبه في حوض وهو يتدفق تدفقا بديعا، وكان في كل من هذه الأقسام جدول ببيان ما فيه، والناس يتفرجون ويعجبون ولا سيما إذا وصلوا إلى معرضنا المصري وشاهدوا غرائبه، ولطالما سألوني وسألوا غيري عن أمور لا تخطر على بال المواطنين، فهذا يريد العلم بكيفية تربية دود القز إذا رأى الحرير الطبيعي، وهذا يسأل أن كيف يفقس البيض ويصير فراخا بالطرق الصناعية؟ وبعضهم يطلب جريدة عربية ليحفظها عنده أثرا من الآثار، وهذه تسألنا أن نكتب اسمها بالعربية على بطاقة الزيارة، وتلك تستفهم عن طرق الزواج وتعدد الزوجات عندنا، وغير هذا مما لا يخطر إلا على بال الغريب، وكانت جرائد أميركا تنقل إلى قرائها أخبار هذا المعرض بالبيان الوافي، وأكثرها ترسم صور المناظر والأشخاص، وكان أكثر الرسوم شيوعا رسم الرئيس وهو في المنصة يفتح المعرض ومن حوله من ذكرنا، وفي جملتهم مندوبو الحكومة المصرية بملابسنا الرسمية والطرابيش.

وقد تشرفنا بمقابلة الرئيس غرانت بعد يوم الافتتاح في بيت المستر تشايلد، وكان ذلك بدعوة أرسلت إلى جميع مندوبي الدول، فأظهر جنابه للجميع لطفا كثيرا، وبعد أن مر على هذه المقابلة يومان ورد إلينا كتاب من المستر تشايلد المذكور يقول فيه إن قرينة الجنرال غرانت رئيس الجمهورية عازمة على زيارة القسم المصري في المعرض، وهو يرجونا أن نستعد لمقابلتها وإطلاعها على ما تريد، فعملت بهذه الإشارة وكنت في الموعد المضروب مستعدا لمقابلة هذه السيدة الكريمة حتى إذا حضرت ومعها ابنتها وصهرها، درت معها أوضح لها ما في معرضنا من الآثار والأشكال، وهي تطرب وتعجب مدة ساعة من الزمان وتستقصي العلم بكل ما تراه، وقد استلفتت أنظارها ملاعق صغيرة صنعت على شكل غريب من خشب الأبنوس، فرجوت حضرتها أن تقبل تلك الملاعق هدية صغيرة وتذكارا للمعرض المصري؛ فقبلتها متلطفة شاكرة، ومعها بعض الآثار المصرية القديمة. ثم خرجت بعد أن تكرمت بدعوتي إلى قصرها في واشنطن عاصمة الجمهورية فشكرتها، وأرسلت تقريرا خاصا إلى سمو الخديوي توفيق باشا عن هذه الزيارة التي جعلت للقسم المصري شأنا كبيرا في هذا المعرض. ومما يريك الفرق بين الحكومات الجمهورية المبنية على رأي الأمة وتوافق الأفراد، وبين الحكومات الوراثية التي يتعالى أمراؤها عن بقية الناس ويتشامخون، أن رئيس الجمهورية في هذه البلاد العظيمة يعد نفسه واحدا من الناس، فينزل في بيت صديق له كما رأيت، ويقبل طلب أصدقائه فيحضر سهراتهم وولائمهم ولا فرق بينه وبينهم مع أنه رئيس أمة في الطبقة العليا من التمدن، يزيد عدد أفرادها عن عدد الناس في كل مملكة أوروبية ما خلا مملكة روسيا، وقد كان من أمر الجنرال غرانت أن المستر بول من الوجهاء دعاه إلى العشاء في أحد الأيام ودعانا معه أيضا، فذهبت إلى بيته في الساعة المعينة، وكان رئيس الجمهورية وقرينته وغيرهما في قاعة فخيمة بانتظار ساعة العشاء، وقد حدثت حضرة السيدة الكريمة زوجها بما كان من واجب إكرامنا لها عند زيارتها للمعرض المصري، فرحب بي جنابه ترحيبا خاصا، وقمنا على أثر وصولي إلى المائدة الفاخرة، فلما انتهينا من العشاء دخلنا قاعة التدخين حسب عادة الرجال، وكانت السيدات في قاعة الاستقبال ريثما ينتهي الرجال من التدخين، ولما كنا في تل القاعة أخبرني رئيس الجمهورية بعزمه على السياحة في مصر في الشتاء التالي، فسألته إذا كان يسمح لي بإبلاغ ذلك رسميا للحكومة المصرية، فأجابني بالإيجاب وأظهر لطفا لا ينتظره المرء من بطل ضرغام مثله، شهد الحروب وحارب الألوف وانتصر على القوات العظيمة، فإنه - ولا يخفى - كان قائد الجنود الشمالية في الحرب الأهلية التي ورد ذكرها في الخلاصة التاريخية بين أهل الجنوب وأهل الشمال، وكان له النصر في كل المواقع القاضية، واشتهر جنابه بالصمت وكثرة التأمل، ولكنه لم يقلل الكلام لما تشرفت بمعرفته، وأذكر أنه لما ورد اسم السياحة، قال لي إنه لا بد من معاناة المتاعب إذا ساح في فرنسا والنمسا وإيطاليا؛ لأن له لسانا واحدا فقط هو لسان الصدق، فضحك الحاضرون لهذه النكتة، وكان له ولع بالتدخين حتى إنه لم يترك السيجار من يده إلا عند الاضطرار إلى تركها، وهو يعد من أكبر رؤساء الجمهورية الأميركية وأعظمهم.

وقد كان احتفال الناس بهذا المعرض وبمرور القرن على استقلالهم عظيما يعز نظيره؛ فإن المدينة كانت مزدانة من جميع جوانبها على نفقة الأهالي، وكانت الجماهير ألوفا مؤلفة في كل شارع كبير، ولا سيما في جوانب المعرض وحول ذلك البناء القديم الذي تم فيه قرار الاستقلال وذكرناه قبل الآن، وفي جميع الساحات والحدائق الأخرى. وكان الخطباء يقومون للخطابة في موضوع الاحتفال والوطنية والناس تتألب من كل جانب لسماع أقوالهم، حتى إذا فاه الخطيب بقول يوجب الحماس الوطني أو أشار إلى ما كان من حزم الأجداد الكرام والنصر في الحرب التي أدت إلى الاستقلال صرخوا مستحسنين متحمسين، وألقوا قبعاتهم في الهواء رجالا وأطفالا، وفي مثل هذه المظاهر ما يبث روح الوطنية في القوم، ويوضح لأبناء أميركا منزلتهم الرفيعة من بعد الاستقلال، فهم يعدون أنفسهم أهل كرامة لما نالوا من الحرية التامة، وفي ذلك ما لا يخفى من الفخر الصحيح.

ولما جاء الليل في يوم الاحتفال سطعت الأنوار الباهرة في كل ناحية من المدينة، ودار في شوارعها موكب حافل له منظر مؤثر مهيب، وتبع ذلك الموكب آلاف من الناس حتى إن الذي رأى تلك الليلة في فلادلفيا رسخ في ذهنه ذكرها وذكر معرضها واحتفالها الباهر. وقد كان حاكم المدينة في مقدمة هذا الموكب، ومن ورائه أشكال المحتفلين وأغربهم أصحاب الحرف، كالنجارة والحدادة والتجارة والفلاحة وغيرها، يتقدم كل فئة من أصحاب هذه الحرف شيخها، ومعه علم خاص بها وموسيقى تصدح بالأنغام الوطنية وأنوار باهرة. وكان عدد المحتفلين كثيرا جدا إلى حد أنه لو وقف المتفرج على الموكب في نقطة من المدينة ومر به الموكب لم ينته من الفرجة إلا بعد انقضاء ثلاث ساعات تتوالى فيها المناظر المختلفة والمشاهد العظيمة، وكانت لجنة المعرض قد أقامت وليمة فاخرة في تلك الليلة لكبراء الناس، وفي جملتهم نواب الممالك الأخرى فحضرنا تلك الوليمة وسمعنا من بعد الطعام خطبا رنانة، كان أول القائلين فيها رئيس المعرض الذي رحب بالحاضرين وأطنب في مدح الحرية، وتلاه غيره من الأميركان والمندوبين الذين شاركوا الأميركان في فرحهم وهنئوهم بما وصلوا إليه، فاستغرقت تلك الوليمة ثلاث ساعات من الزمان.

وظللنا في المعرض نقوم بمواجبه حتى بلغنا في أحد الأيام أن رئيس المعرض عقد اتفاقا مع مديري سكك الحديد على إعداد قطر خاصة لمندوبي الدول تأخذهم إلى أعظم مشاهد الولايات المتحدة على نفقة الدولة، وأهم هذه المشاهد شلال نياغارا وإقليم البترول (زيت الغاز)، والفحم الحجري وغير هذا مما سيأتي وصفه. وبعد قليل وردت إلينا أوراق تدعونا إلى هذه السياحة الجميلة، وشارات خاصة توضع على صدر المدعوين لتميزهم عن سواهم، وطبعت أوراق أخرى فيها بيان هذه السياحة وما تم الاتفاق على أن يراه المدعوون، وعين اثنان من أهل الخبرة والمهندسين الأميركيين لمرافقة المندوبين الأجانب في هذه السياحة وإطلاعهم على كل أمر يريدون العلم به، فبناء على هذه الدعوة قمنا في قطار خاص في الساعة السابعة من أحد الأيام وسرنا في داخلية البلاد نحو 7 ساعات، رأينا في خلالها بلاد لانكاستر ولاندسفل وجاكستون وغيرها حتى بلغنا مدينة التونا، وهي شهيرة في أنها معمل بناء العربات لشركات السكك الحديدية في ولاية بنسلفانيا وما يجاورها، ولهذه الشركة أراض لا تقل في اتساعها عن عشرين ألف فدان. ولما وقف القطار في المحطة ركبنا عربات أعدت للمندوبين وسرنا إلى فندق استؤجرت فيه غرف لنا أيضا، وكان اهتمام عمال هذا الفندق بإكرامنا شديدا حتى إن مدير الفندق كان يخدمنا على مائدة الطعام بنفسه، ويملأ كئوس الخمرة لنا بيده وهو يعرب عن سروره باجتماعنا لمشاركة قومه في احتفالهم العظيم.

وسرنا بعد ذلك بقليل إلى معمل العربات والآلات لسكك الحديد، وهو محل واسع يشغل من الأرض حوالي 150 فدنا أو 63000 متر، وفيه عشرة آلاف عامل ويصنع فيه من الآلات البخارية التي تجر الأرتال مئات كل عام، ومن عربات الركاب والأبضعة ألوف كثيرة، فلما وصلنا ذلك المعمل دار بنا مديروه يشرحون ويوضحون، وكانوا يأمرون العمال أن يصنعوا «الوابورات» والعربات على مرأى منا ونحن نتفرج معجبين لجمال تلك الآلات والعربات التي تمتاز عن العربات الأوروبية بطولها وإتقان صنعها والعمل على راحة المسافرين فيها، وليس يخفى أن أهل أوروبا جعلوا يشترون بعض عربات الركوب لقطاراتهم من أميركا أو هم يصنعون على مثالها، واشتهرت عربات التونا هذه بمحاسنها حتى قام المستر بلمان المشهور واخترع نوعا من العربات المتينة التي يقل في سيرها الارتجاج وتكثر الراحة للمسافرين واحتكر صناعتها. ولشركته أكبر معامل العربات في ولاية نيويورك، وقد أصبح الرجل من أصحاب الملايين وشركات السكك الحديدية في كل البلاد تشتري من عربات بولمان لقطاراتها، ورجعنا إلى الفندق بعد أن تمتعنا بمشاهدة هذا المعمل وغرائبه، فكنا نرى العربات معدة لركوب من شاء منا بلا أجرة ندفعها حتى إذا شاء أحدنا أن يقصد نزهة أو فرجة كانت العربات في خدمته متى أراد.

وفي تلك الليلة أولموا لنا في العشاء وليمة فاخرة، ودعونا بعدها إلى موضع للتمثيل، وكان كل مندوب يطلب فيه وفي الحانات والقهاوي ما أراد من المشروب ولا يؤخذ منه الثمن حتى إني مسحت حذائي ولم يشأ الصبي أن يأخذ أجرة؛ لأنه رأى من الشارة في صدري أني أحد المندوبين وأجرة عمله واصلة من الحكومة، فذكرني هذا بالكرم الحاتمي الذي أظهره سمو إسماعيل باشا الخديوي الأسبق عند الاحتفال بترعة السويس، فإنه أتى مثل ذلك في المطاعم والفنادق التي أمها المدعوون للاحتفال، وذلك غير الذي أتاه لإكرام إمبراطور النمسا وإمبراطورة فرنسا وولي عهد إنكلترا على وجه خاص.

بتسبرج

Shafi da ba'a sani ba