Mashahid Mamalik

Idwar Ilyas d. 1341 AH
113

Mashahid Mamalik

مشاهد الممالك

Nau'ikan

قصر الماء:

ولقد كان لهذه الأنوار أبدع المناظر وألطف أنواع التأثير؛ إذ تسطع من قصر الماء الغريب، حتى إن كثيرين من الذين زاروا هذا المعرض حسبوا قصر الماء في الليل أغرب غرائبه، وأبهى آيات محاسنه التي لا تحصى ولا تعد، ولا عجب فإن قصر الماء هذا كان من مدهشات الأمور، ومما يسحر الألباب ويدعو إلى التأمل بمحاسن الطبيعة ومقدرة الإنسان، وأنه كان غريبة من غرائب هذا المعرض بلا مراء. ولقد تفنن الكاتبون بكل لسان في وصف هذا القصر العجيب، ولست بذاهب أني أقدر على الإجادة في الوصف أكثر مما فعلوا، وهم مع كل الذي قالوا لم يفوا هذا المنظر المدهش عشر حقه من دقة الوصف والإطناب؛ ذلك أنهم بنوا قصر الماء هذا على شكل قوس طولها 130 قدما وارتفاعها 70 قدما، وصنعوا لها كثيرا من الأبواب والمخارج والكوى والنوافذ، وطلوها كلها ببهي الألوان، ورصعوا كل هذه الجوانب بالمصابيح الكهربائية، فكان عددها 5000 مصباح، إذا جاء الليل وأطلق فيها النور سطعت ولمعت كأنها الجواهر الغالية الحسناء أو الكواكب اللامعة في السماء. على أن هذا لم يكن منتهى الإعجاز في قصر الماء، بل إن الماء نفسه عد غاية الغرابة والإتقان ومعجزة الجمال في هذا المنظر الشهي؛ لأنهم بنوا قصر الماء على أكمة من الأرض، وجعلوا لها درجات ومساطب صخرية يخرج الماء من أعلاها فيتدفق في هذه الجوانب عن علو 20 مترا وبعرض عشرة أمتار، ثم ينصب في بركة واسعة ومقداره 1900 لتر في كل دقيقة.

وفي وسط هذه البركة نحو 60 أنبوبة يتصاعد الماء منها، ثم يعود وينصب في البركة، وفي دائرها وجوانبها تماثيل وحوش من الرخام يخرج الماء أيضا من أفواهها، فما كنت ترى إلا مياها متدفقة بين تلك المناظر الحسناء. ثم إذا جاءت الساعة التاسعة من الليل بدأ موعد السحر الحلال وآية الجمال الذي يحدث في النفوس فتنة ويشرح الصدور؛ ذلك أنهم كانوا في هذه الساعة ينيرون قصر الماء بالأنوار وعددها 5000 في جوانبه، ويطلقون الماء فيتدفق في تلك العيون والنوافذ التي ذكرناها، ثم يبدءون بإرسال الألوان الشهية البهية على تلك المصابيح، وعلى الماء المتساقط أيضا من جميع الجوانب فترى القصر وماءه حينا كله أخضر ثم يبدلون اللون، فإذا هو أحمر فإذا هو أزرق فإذا هو بنفسجي؛ ولهذا التغيير تأثير ساحر ومنظر لا يعرف قدره إلا من يراه؛ لأنك ترى جداول الماء أمامك تتدفق وهي حمراء أو خضراء، وقد يجعلون بعضها أحمر والبعض أخضر، أو يجعلون النقط المتساقطة من موضع واحد ألوانا تفرح القلوب وتدعو إلى الطرب والإعجاب؛ ولهذا كان الناس يتسابقون إلى رؤية هذا المنظر الفتان من قبل موعده، ويتألبون ألوفا شاخصة عيونها إلى قصر الماء حين تدنو ساعة هذه الأنوار وهذه الألوان، فما ترى إلا استحسانا ولا تسمع إلا استصوابا وإعجابا من الواقفين، وقد بنوا هذا القصر البديع في شارع تروكاديرو، وهو الذي قام في وسطه برج إيفل وفيه خمسون ألف نور، وفي الطرف الآخر قصر التروكاديرو لا تعد أنواره، فكنت ترى الناس كل ليلة في هذا الشارع تعد بعشرات الألوف، وقد عن إليها أن تنتقل من بؤرة المحاسن الباهرة وتبرح هذا المكان العجيب.

قصر خداع البصر:

هو موضع أجادوا في تسميته باسم الأوهام أو خداع البصر؛ لأنه كان من آيات التفنن التي تخدع الأبصار ولكنها تسر النفوس، بنوه قصرا وراء قصر الكهربائية، وله قبة كبيرة تحكي قبة الجامع، وقد صنعوا هذه القبة وجدران القصر كلها من الداخل قطعا من المرايا الصغيرة لصقوا بعضها إلى جانب بعض، فكان الناس يدخلون إليها وهم لا يعلمون الشيء الذي سيظهر لهم، وأذكر أني لما دخلت هذا الموضع كان المتفرجون معي نحو 200 نفس على الأقل، فلما دخلنا وتكامل عددنا أضاءوا المكان بالنور الكهربائي، فكان كل نور ينعكس في كل مرآة وفي بقية المرائي وصور المتفرجين تعددت تعددا هائلا؛ لأنها كثرت بهذا الانعكاس فكنت تظن أن أهل الأرض جميعهم حشروا من وراء تلك المرائي وما هم إلا تكرار صورة الواقفين معك، ويخيل لك أنك ترى فضاء واسعا أو عالما جديدا كله أنوار في أنوار لا نهاية لها إلى آخر ما ترى العين، وهو منظر جميل مؤثر في النفوس.

قصر البلور:

ويذكر من هذا القبيل قصر البلور أيضا بني كله من الزجاج السميك بأرضه وسقفه وجدرانه وسلمه ودرجاته وجميع أجزائه، وقد بنته شركة من أصحاب معامل الزجاج، وكان أكبر آيات التفنن فيه أنهم كانوا ينيرونه من تحت الزجاج، فترى الجدران والكراسي والسقوف والأرض وجميع ما في هذا القصر زجاجا منيرا، كأن النور يخرج من الزجاج؛ لأنك لا ترى مصدره، أو كأنك جالس في وسط مادة جديدة شفافة لامعة يصدر النور منها وأنت في حيرة من هذا التفنن الغريب، وكانت أجرة الدخول إلى هذا المكان فرنكا، وإقبال الناس عليه يستحق الذكر.

معرض الأندلس:

شكلت شركة مهمة للقيام بعمل يمثل حالة بلاد الأندلس حين كانت في يد العرب، واستأجرت هذا المكان ومساحته 5000 متر مربع من أرض المعرض، وبنت له بوابة للدخول طويلة العماد على شكل باب القصر العربي في إشبيلية من بلاد الأندلس، ويلي هذا الباب حوش أو رحبة، مثل حوش السباع المشهور في قصر غرناطة، وفيه النقوش العربية نقلا عما في القصر المذكور، يضيء من ورائها النور الكهربائي حتى يرى المتفرجون تلك الرسوم والكتابات العربية بأجلى بيان، وقد أقاموا في هذا المعرض الأندلسي مرسحا (تياترو) للراقصات الأندلسيات والإسبانيات، وعددهن أكثر من خمسين راقصة تتهادى بملابس الإسبان البهية، وترقص وهي تنقر على الصنج في يدها ، أو تلوح بمنديل وتنشد الأنغام المطربة أو الحماسية على الطريقة الإسبانية المشهورة. ويلي هذا مرسح عربي واسع زخرفوه بالأشكال العربية، وكانوا يمثلون فيه حالة العرب أيام استيلائهم على إسبانيا، من ذلك حفلة عرس عربي، وفي جملة فصوله موكب الزوج قادم، وفيه رجال بالملابس العربية المقصبة وقد ارتدوا الرداء المعروف بالبرلس من الحرير، واعتقلوا الرماح والأسلحة الأخرى، وركبوا الجياد العربية بسروجها العربية المذهبة، ويتبع ذلك موكب الزوجة وهي داخل هودج يحمله جملان زينا بالجوخ الأحمر المقصب والصدف تحت قيادة رجال من العرب، وكان الممثلون يدورون مرارا داخل المرسح بهذين الموكبين، حتى يرى الناس جليا صورة الأعراس العربية القديمة، وينتهي بذلك الفصل الأول من فصول التشخيص في المرسح الأندلسي. وأما الفصل الثاني فكانوا يمثلون فيه حربا بين العرب والإسبان بملابس القومين في زمان تلك الحروب، وكان المكان محاطا بالحوانيت، والطرق بنيت ضيقة على الشكل العربي، حتى إن المرء لا يخرج منه إلا وقد ارتسمت في ذهنه صورة من حالة العرب في أيام دولهم الزاهرة وعزهم في بلاد الإسبان.

وليمة المشايخ:

Shafi da ba'a sani ba