بسم الله الرحمن الرحيم [مقدمة المؤلف] (1) نحمد الله ونستعين بقوته التي أقام بها ملكوت الأرض والسماء وبكلمته التي أنشأ بها نشأتي الآخرة والأولى على تهذيب القوى القابلة للاستكمال وإصلاح العقول المنفعلة عن المعاني والأحوال للاتصال بالعقل الفعال وطرد شياطين الأوهام المضلة بأنوار البراهين وقمع أعداء الحكمة واليقين إلى مهوى المبعدين ومثوى المتكبرين. ونصلي على محمد المبعوث بكتاب الله ونوره المنزل معه على كافة الخلق أجمعين وآله وأولاده المطهرين عن أرجاس الطبيعة المقدسين عن ظلمات الوهم بأنوار الحق واليقين. اللهم صل وسلم عليه وعليهم وعلى جميع من سلك سبيلهم واقتفى دليلهم من شيعتهم المتقين.
(2) أما بعد: فأقل الخلائق قدرا وجرما وأكثرهم خطاء وجرما محمد المشتهر بصدر الدين الشيرازي يقول: أيها الإخوان السالكون إلى الله بنور العرفان! استمعوا باستماع قلوبكم مقالتي لينفذ في بواطنكم نور حكمتي.
وأطيعوا كلمتي وخذوا عني مناسك طريقتي من الإيمان بالله واليوم الآخر إيمانا حقيقيا حاصلا للأنفس العلامة بالبراهين اليقينية والآيات الإلهية كما أشار إليه سبحانه في قوله والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقوله ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا. وهذه هي الحكمة الممنون بها على أهلها والمضنون
Shafi 51
بها على غير أهلها وهي بعينها العلم بالله من جهة ذاته المشار إليه بقوله أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. والعلم به من جهة العلم بالآفاق والأنفس المشار إليه بقوله سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. فالعلوم الإلهية هي عين الإيمان بالله وصفاته والعلوم الآفاقية والأنفسية من آيات العلم بالله وملكوته وكتبه ورسله وشواهد العلم باليوم الآخر وأحواله والقبر والبعث والسؤال والكتاب والحساب والصراط والوقوف بين يدي الله والجنة والنار. وهي ليست من المجادلات الكلامية ولا من التقليدات العامية ولا من الفلسفة البحثية المذمومة ولا من التخيلات الصوفية بل هي من نتائج التدبر في آيات الله والتفكر في ملكوت سماواته وأرضه مع انقطاع شديد عما أكب عليه طباع أهل المجادلة والجماهير ورفض تام لما استحسنه قلوب المشاهير.
(3) ولقد قدمت إليكم يا إخواني في كتبي ورسائلي من أنوار الحكم ولطائف النعم وزهر الأرواح وزينة العقول مقدمات ذوات فضائل جمة هي مناهج السلوك إلى منازل الهدى ومعارج الارتقاء إلى الشرف الأعلى من علوم القرآن والتأويل ومعاني الوحي والتنزيل مما خطه القلم العظيم في اللوح الكريم وقرأه من ألهمه الله قراءته وكلمه بكلماته وعلمه محكم آياته مما نزل به الروح الأمين على قلب من اصطفاه الله وهداه فجعله أولا خليفة في العالم الأرضي وزينة للملكوت السفلي. ثم جعله أهلا لعالمه العلوي وملكا في ملكوته السماوي. فكل من تنور بيت قلبه بهذه الأنوار ارتقى روحه إلى تلك الدار. ومن جحدها أو كفرها فقد أهوى إلى مهبط الأشرار ومهوى الشياطين والفجار ومثوى المتكبرين وأصحاب النار.
(4) ولما كانت مسألة الوجود أس القواعد الحكمية ومبنى المسائل الإلهية والقطب الذي يدور عليه رحى علم التوحيد وعلم المعاد وحشر الأرواح والأجساد وكثير مما تفردنا باستنباطه وتوحدنا باستخراجه فمن
Shafi 52
جهل بمعرفة الوجود يسري جهله في أمهات المطالب ومعظماتها وبالذهول عنها فاتت عنه خفيات المعارف وخبيئاتها وعلم الربوبيات ونبواتها ومعرفة النفس واتصالاتها ورجوعها إلى مبدأ مبادئها وغاياتها فرأينا أن نفتح بها الكلام في هذه الرسالة المعمولة في أصول حقائق الإيمان وقواعد الحكمة والعرفان.
فنورد فيها أولا مباحث الوجود وإثبات أنه الأصل الثابت في كل موجود وهو الحقيقة وما عداه كعكس وظل وشبح. ثم نذكر هاهنا قواعد لطيفة ومباحث شريفة سنحت لنا بفضل الله وإلهامه مما يتوقف عليه معرفة المبدأ والمعاد وعلم النفس وحشرها إلى الأرواح والأجساد وعلم النبوات والولايات وسر نزول الوحي والآيات وعلم الملائكة وإلهاماتها وعلاماتها والشياطين ووساوسها وشبهاتها وإثبات عالم القبر والبرزخ وكيفية علم الله تعالى بالكليات والجزئيات ومعرفة القضاء والقدر والقلم واللوح وإثبات المثل النورية الأفلاطونية ومسألة اتحاد العقل بالمعقولات واتحاد الحس بالمحسوسات ومسألة أن البسيط كالعقل وما فوقه كل الموجودات وأن الوجود كله مع تباين أنواعه وأفراد ماهيته وتخالف أجناسه وفصوله حدا وحقيقة جوهر واحد له هوية واحدة ذات مقامات ودرجات عالية ونازلة إلى غير ذلك من المسائل التي توحدنا باستخراجها وتفردنا باستنباطها مما فرقناها في الكتب والرسائل تقربا إلى الله وتوسلا إلى مبدأ المبادي وأول الأوائل وعلومنا هذه ليست من المجادلات الكلامية ولا من التقليدات العامية ولا من الأنظار الحكمية البحثية والمغالطات السفسطية ولا من التخيلات الصوفية بل هي من البرهانات الكشفية التي شهد بصحتها كتاب الله وسنة نبيه وأحاديث أهل بيت النبوة والولاية والحكمة سلام الله عليه وعليهم أجمعين وجعلت الرسالة منطوية على فاتحة وموقفين وكل منهما مشتمل على مشاعر وسميتها بها لمناسبة بين الفحوى والظاهر والعلن والسر.
فنقول مستعينا بالله مستمدا من أهل ملكوته:
Shafi 53
الفاتحة في تحقيق مفهوم الوجود وأحكامه وإثبات حقيقته وأحواله وفيه مشاعر
Shafi 55
المشعر الأول في بيان أنه غني عن التعريف (5) أنية الوجود أجلى الأشياء حضورا وكشفا وماهيته أخفاها تصورا واكتناها ومفهومه أغنى الأشياء عن التعريف ظهورا ووضوحا وأعمها شمولا. وهويته أخص الخواص تعينا وتشخصا إذ به يتشخص كل متشخص ويتحصل كل متحصل ويتعين كل متعين ومتخصص وهو متشخص بذاته ومتعين بنفسه كما ستعلم.
(6) وأما أنه لا يمكن تعريفه فلأن التعريف إما أن يكون بحد أو برسم. ولا يمكن تعريفه بالحد حيث لا جنس له ولا فصل له فلا حد له. ولا بالرسم إذ لا يمكن إدراكه بما هو أظهر منه وأشهر ولا بصورة مساوية له.
(7) فمن رام تعريفه فقد أخطأ إذ قد عرفه بما هو أخفى منه. اللهم إلا أن يريد تنبيها وإخطارا بالبال وبالجملة تعريفا لفظيا.
(8) ولأني أقول إن تصور الشيء مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا لما في العين. وهذا يجري في ما عدا الوجود من المعاني والماهيات الكلية التي توجد تارة بوجود عيني أصيل وتارة بوجود ذهني ظلي مع انحفاظ ذاتها في كلا الوجودين وليس للوجود وجود آخر يتبدل عليه مع انحفاظ معناه خارجا وذهنا.
(9) فليس لكل حقيقة وجودية إلا نحو واحد من الحصول.
فليس للوجود وجود ذهني وما ليس له وجود ذهني فليس بكلي ولا جزئي ولا عام ولا خاص .
Shafi 57
(10) فهو في ذاته أمر بسيط متشخص بذاته لا جنس له ولا فصل له ولا هو أيضا جنس لشيء ولا فصل له ولا نوع ولا عرض عام ولا خاصة. وأما الذي يقال له عرضي للموجودات من المعنى الانتزاعي الذهني فليس هو حقيقة الوجود بل هو معنى ذهني من المعقولات الثانية كالشيئية والممكنية والجوهرية والعرضية والإنسانية والسوادية وسائر الانتزاعيات المصدرية التي يقع بها الحكاية عن الأشياء الحقيقية أو غير الحقيقية. وكلامنا ليس فيه بل المحكي عنه وهو حقيقة واحدة بسيطة لا يفتقر أصلا في تحققه وتحصله إلى ضميمة قيد فصلي أو عرضي صنفي أو شخصي.
(11) بل قد يلزمه هذه الأشياء بحسب ما يتحصل به ويوجد من المعاني والماهيات إذ كل وجود سوى الوجود الأول البسيط الذي هو نور الأنوار يلزمه ماهية كلية إمكانية تتصف بهذه الأوصاف باعتبار حصولها في الأذهان فيصير جنسا أو فصلا أو ذاتيا أو عرضيا أو حدا أو رسما أو غير ذلك من صفات المفهومات الكلية دون الوجود إلا بالعرض.
Shafi 58
المشعر الثاني في كيفية شموله للأشياء (12) شمول حقيقة الوجود للأشياء الموجودة ليس كشمول معنى الكلي للجزئيات وصدقه عليها كما نبهناك عليه من أن حقيقة الوجود ليست جنسا ولا نوعا ولا عرضا إذ ليست كليا. طبيعيا بل شموله ضرب آخر من الشمول لا يعرفه إلا العرفاء الراسخون في العلم. وقد عبروا عنه تارة ب النفس الرحماني وتارة بالرحمة التي وسعت كل شيء أو ب الحق المخلوق به عند طائفة من العرفاء وبانبساط نور الوجود على هياكل الممكنات وقوابل الماهيات ونزوله في منازل الهويات.
(13) وستعلم معنى هذا الكلام من أن الوجود مع كونه أمرا شخصيا متشخصا بذاته متعينا بنفسه مشخصا لما يوجد به من ذوات الماهيات الكلية كيف يتحد بها ويصدق هي عليه في الخارج ويعرض مفهومه عليها عروضا في الذهن بحسب التحليل العقلي.
(14) ويظهر لك أيضا أنه كيف يصدق القول بكون حقيقة الوجود مع كونها متشخصة بذاتها أنها مختلفة الحقائق بحسب اختلاف الماهيات الإمكانية المتحدة كل منها بدرجة من درجاته ومرتبة من مراتبه سوى الوجود الحق الأول الذي لا ماهية له لأنه صريح الوجود الذي لا أتم منه ولا أشد قوة وكمالا ولا يشوبه عموم وخصوص ولا يحده حد ولا يضبطه اسم ورسم ولا يحيط به علم وعنت الوجوه للحي القيوم.
Shafi 59
المشعر الثالث في تحقيق الوجود عينا (15) اعلم أيدك الله تعالى بنوره أن الوجود أحق الأشياء بأن يكون ذا حقيقة موجودة وعليه شواهد قطعية.
الشاهد الأول (16) أن حقيقة كل شيء هو وجوده الذي يترتب به عليه آثاره وأحكامه. فالوجود إذن أحق الأشياء بأن يكون ذا حقيقة إذ غيره به يصير ذا حقيقة فهو حقيقة كل ذي حقيقة ولا يحتاج هو في أن يكون ذا حقيقة إلى حقيقة أخرى. فهو بنفسه في الأعيان وغيره أعني الماهيات به في الأعيان لا بنفسها.
(17) نريد به أن كل مفهوم كالإنسان مثلا إذا قلنا إنه ذو حقيقة أو ذو وجود كان معناه أن في الخارج شيئا يقال عليه ويصدق عليه أنه إنسان. وكذا الفرس والفلك والماء والنار وسائر العنوانات. والمفهومات التي لها أفراد خارجية هي عنوانات صادقة عليها. ومعنى كونها متحققة أو ذات حقيقة أن مفهوماتها صادقة على شيء صدقا بالذات والقضايا المعقودة كهذا إنسان وذاك فرس ضروريات ذاتية. فهكذا حكم مفهوم الحقيقة. والوجود ومرادفاته لا بد وأن يكون عنوانه صادقا على شيء حتى يقال على شيء إن هذا حقيقة كذا صدقا بالذات وتكون القضية المعقودة هاهنا ضرورية ذاتية أو ضرورية أزلية.
(18) لست أقول إن مفهوم الحقيقة أو الوجود الذي هو بديهي التصور يصدق عليه أنه حقيقة أو وجود حملا متعارفا إذ صدق كل عنوان
Shafi 60
على نفسه لا يلزم أن يكون بطريق الحمل المتعارف بل حملا أوليا غير متعارف.
(19) بل إنما أقول إن الشيء الذي يكون انضمامه مع الماهية أو اعتباره معها مناط كونها ذات حقيقة يجب أن يصدق عليه مفهوم الحقيقة أو الموجودية. فالوجود يجب أن يكون له مصداق في الخارج يحمل عليه هذا العنوان بالذات حملا شايعا متعارفا. وكل عنوان يصدق على شيء في الخارج فذلك الشيء فرده وذلك العنوان متحقق فيه. فيكون لمفهوم الوجود فرد في الخارج فله صورة عينية خارجية مع قطع النظر عن اعتبار العقل وملاحظة الذهن. فيكون الوجود موجودا في الواقع وموجوديته في الخارج أنه بنفسه واقع في الخارج كما أن زيدا مثلا إنسان في الواقع وكون زيد إنسانا في الواقع عبارة عن موجوديته. فكذا كون هذا الوجود في الواقع عبارة عن كونه بنفسه وجودا وكون غيره به موجودا لا أن للوجود وجودا آخر زائدا عليه عارضا له بنحو من العروض ولو بالاعتبار كما في العوارض التحليلية بخلاف الماهية كالإنسان. فإن معنى كونه موجودا أن شيئا في الخارج هو إنسان لا أن شيئا في الخارج هو وجود. ومعنى كون الوجود موجودا أن شيئا في الخارج هو وجود وهو حقيقة.
(20) واعلم أن كل موجود في الخارج غير الوجود ففيه شوب تركيب ولو عقلا بخلاف صرف الوجود. ولأجل هذا قال الحكماء:
كل ممكن أي كل ذي ماهية زوج تركيبي فليس شيء من الماهيات بسيط الحقيقة. وبالجملة الوجود موجود بذاته لا بغيره. وبهذا تدفع المحذورات المذكورة في كون الوجود موجودا. وأما الأمر الانتزاعي العقلي من الوجود فهو كسائر الأمور العامة والمفهومات الذهنية كالشيئية والماهية والممكنية ونظائرها إلا أن ما بإزاء هذا المفهوم أمور متأصلة في التحقق والثبوت بخلاف الشيئية والماهية وغيرهما من المفهومات.
Shafi 61
(21) واعلم أن للوجودات حقائق خارجية لكنها مجهولة الأسامي. شرح أسمائها أنها وجود كذا ووجود كذا. ثم يلزم الجميع في الذهن الأمر العام. وأقسام الشيء والماهية معلومة الأسامي والخواص. والوجود الحقيقي لكل شيء من الأشياء لا يمكن التعبير عنه باسم ونعت إذ وضع الأسماء والنعوت إنما يكون بإزاء المفهومات والمعاني الكلية لا بإزاء الهويات الوجودية والصور العينية.
الشاهد الثاني (22) إن من البين الواضح أن المراد بالخارج والذهن في قولنا هذا موجود في الخارج وذاك موجود في الذهن ليسا من قبيل الظروف والأمكنة ولا المحال بل المعنى بكون الشيء في الخارج أن له وجودا يترتب عليه آثاره وأحكامه وبكونه في الذهن أنه بخلاف ذلك. فلو لم يكن للوجود حقيقة إلا مجرد تحصل الماهية لم يكن حينئذ فرق بين الخارج والذهن وهو محال إذ الماهية قد تكون متحصلة ذهنا وليست بموجودة في الخارج.
الشاهد الثالث (23) إنه لو كانت موجودية الأشياء بنفس ماهياتها لا بأمر آخر لامتنع حمل بعضها على بعض والحكم بشيء منها على شيء كقولنا زيد حيوان والإنسان ماش لأن مفاد الحمل ومصداقه هو الاتحاد بين مفهومين متغايرين في الوجود وكذا الحكم بشيء على شيء عبارة عن اتحادهما وجودا وتغايرهما مفهوما وماهية وما به المغايرة غير ما به الاتحاد. وإلى هذا يرجع ما قيل إن الحمل يقتضي الاتحاد في الخارج والمغايرة في الذهن. فلو لم يكن الوجود شيئا غير الماهية لم تكن جهة الاتحاد مخالفة لجهة المغايرة. واللازم باطل كما مر فالملزوم مثله. بيان الملازمة أن صحة الحمل مبناه على وحدة ما وتغاير ما إذ لو كان هناك وحدة محضة لم يكن حمل ولو كان كثرة محضة لم يكن حمل. فلو كان الوجود أمرا انتزاعيا يكون وحدته
Shafi 62
وتعدده تابعين لوحدة ما أضيف إليه وتعدده من المعاني والماهيات.
وإذا كان كذلك لم يتحقق حمل متعارف بين الأشياء سوى الحمل الأولي الذاتي فكان الحمل منحصرا في الحمل الذاتي الذي مبناه الاتحاد بحسب المعنى.
الشاهد الرابع (24) لو لم يكن الوجود موجودا لم يوجد شيء من الأشياء وبطلان التالي يوجب بطلان المقدم. بيان الملازمة أن الماهية إذا اعتبرت بذاتها مجردة عن الوجود فهي معدومة وكذا إذا اعتبرت بذاتها مع قطع النظر عن الوجود والعدم فهي بذلك الاعتبار لا موجودة ولا معدومة. فلو لم يكن الوجود موجودا في ذاته لم يمكن ثبوت أحدهما للآخر. فإن ثبوت شيء لشيء أو انضمامه إليه أو اعتباره معه متفرع على وجود المثبت له أو مستلزم لوجوده. فإذا لم يكن الوجود في ذاته موجودا ولا الماهية في ذاتها موجودة فكيف يتحقق هاهنا موجود فلا تكون الماهية موجودة. وكل من راجع وجدانه يعلم يقينا أنه إذا لم تكن الماهية متحدة بالوجود كما هو عندنا ولا معروضة له كما اشتهر بين المشائين ولا عارضة له كما عليه طائفة من الصوفية فلم يصح كونها موجودة بوجه فإن انضمام معدوم بمعدوم غير معقول وأيضا انضمام مفهوم بمفهوم من غير وجود أحدهما أو عروضه للآخر أو وجودهما أو عروضهما لثالث غير صحيح أصلا فإن العقل يحكم بامتناع ذلك.
(25) وما قيل من أن موجودية الأشياء بانتسابها إلى واجب الوجود فكلام لا تحصيل فيه لأن الوجود للماهية ليس كالبنوة للأولاد حيث يتصفوا بها لأجل انتسابهم إلى شخص واحد. وذلك لأن حصول النسبة بعد وجود المنتسبين واتصافها بالوجود ليس إلا نفس وجودها.
(26) وقال بهمنيار في التحصيل إنا إذا قلنا كذا موجود فإنا نعني أمرين: أحدهما أنه ذو وجود كما يقال إن زيدا مضاف وهذا كلام
Shafi 63
مجازي. والثاني أنه بالحقيقة أن الموجود هو الوجود كما أن المضاف بالحقيقة هو الإضافة.
الشاهد الخامس (27) إنه لو لم يكن للوجود صورة في الأعيان لم يتحقق في الأنواع جزئي حقيقي هو شخص من نوع. وذلك لأن نفس الماهية لا تأبى عن الشركة بين كثيرين وعن عروض الكلية لها بحسب الذهن وإن تخصصت بألف تخصيص من ضم مفهومات كثيرة كلية إليها. فإذن لا بد وأن يكون للشخص زيادة على الطبيعة المشتركة تكون تلك الزيادة أمرا متشخصا لذاته غير متصور الوقوع للكثرة. ولا نعني بالوجود إلا ذلك الأمر. فلو لم يكن متحققا في أفراد النوع لم يكن شيء منها متحققا في الخارج. هذا خلف.
(28) وأما قول إن التشخص من جهة الإضافة إلى الوجود الحق المتشخص بذاته فقد علم فساده بمثل ما مر فإن إضافة الشيء إلى شيء بعد تشخصها جميعا.
(29) ثم النسبة بما هي نسبة أيضا أمر عقلي كلي وانضمام الكلي إلى الكلي لا يوجب الشخصية.
(30) هذا إذا كان المنظور إليه حال النسبة بما هي مفهوم من المفهومات وليست هي بذلك الاعتبار نسبة أي معنى غير مستقل.
وأما إذا كان المنظور إليه حال الماهية بالذات فليست هي بحسب نفسها محكوما عليها بالانتساب إلى غيرها ما لم يكن لها كون هي تكون بذلك الكون منسوبة إلى مكونها وجاعلها. ولا نعني بالوجود إلا ذلك الكون ولا يمكن تعقله وإدراكه إلا بالشهود الحضوري كما سيتضح بيانه.
Shafi 64
الشاهد السادس (31) اعلم أن العارض على ضربين: عارض الوجود وعارض الماهية. والأول كعروض البياض للجسم أو الفوقية للسماء في الخارج وكعروض الكلية والنوعية للإنسان والجنسية للحيوان. والثاني كعروض الفصل للجنس والتشخص للنوع.
(32) وقد أطبقت ألسنة المحصلين من أهل الحكمة بأن اتصاف الماهية بالوجود وعروضه لها ليس اتصافا خارجيا وعروضا حلوليا بأن يكون للموصوف مرتبة من التحقق. والكون ليس في تلك المرتبة مخلوطا بالاتصاف بتلك الصفة بل مجردا عنها وعن عروضها سواء كانت الصفة انضمامية خارجية كقولنا: زيد أبيض أو انتزاعية عقلية كقولنا: السماء فوقنا أو سلبية كزيد أعمى. وإنما اتصاف الماهية بالوجود اتصاف عقلي وعروض تحليلي وهذا النحو من العروض لا يمكن أن يكون لمعروضه مرتبة من الكون ولا تحصل وجودي لا خارجا ولا ذهنا لا يكون المسمى بذلك العارض. فإن الفصل مثلا إذا قيل إنه عارض للجنس ليس المراد أن للجنس تحصلا وجوديا في الخارج أو في الذهن بدون الفصل بل معناه أن مفهوم الفصل خارج عن مفهوم الجنس لاحق به معنى وإن كان متحدا معه وجودا. فالعروض بحسب الماهية في اعتبار التحليل مع الاتحاد فهكذا حال الماهية والوجود إذا قيل إن الوجود من عوارضها.
(33) فإذا تقرر هذا الكلام: فنقول: لو لم يكن للوجود صورة في الأعيان لم يكن عروضه للماهية هذا النحو الذي ذكرناه بل كان كسائر الانتزاعيات التي تلحق الماهية بعد ثبوتها وتقررها. فإذن يجب أن يكون الوجود شيئا توجد به الماهية وتتحد معه وجودا مع مغايرتها إياه معنى ومفهوما في ظرف التحليل. تأمل فيه.
Shafi 65
الشاهد السابع (34) من الشواهد الدالة على هذا المطلب أنهم قالوا: إن وجود الأعراض في أنفسها وجوداتها لموضوعاتها أي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه. ولا شك أن حلول العرض في موضوعه أمر خارجي زائد على ماهيته. وكذا الموضوع غير داخل في ماهية العرض وحدها وهو داخل في وجوده الذي هو نفس عرضيته وحلوله في ذلك الموضوع.
وهذا معنى قول الحكماء في كتاب البرهان إن الموضوع مأخوذ في حدود الأعراض. وحكموا أيضا بأن هذا من جملة المواضع التي تقع للحد زيادة على المحدود كأخذ الدائرة في حد القوس وأخذ البناء في حد البناء. فقد علم أن عرضية العرض كالسواد أي وجوده زائد على ماهيته.
(35) فلو لم يكن الوجود أمرا حقيقيا بل كان أمرا انتزاعيا أعني الكون المصدري لكان وجود السواد نفس سواديته لا حلوله في الجسم. وإذا كان وجود الأعراض وهو عرضيتها وحلولها في الموضوعات أمرا زائدا على ماهياتها الكلية فكذلك حكم الجواهر. ولهذا لا قائل بالفرق.
الشاهد الثامن (36) إن ما يكشف عن وجه هذا المطلب وينور طريقه أن مراتب الشديد والضعيف في ما يقبل الأشد والأضعف أنواع متخالفة بالفصول المنطقية عندهم. ففي الاشتداد الكيفي مثلا في السواد وهو حركة كيفية يلزم عليهم لو كان الوجود اعتباريا عقليا أن يتحقق أنواع بلا نهاية محصورة بين حاصرين. وثبوت الملازمة كبطلان اللازم معلوم لمن تدبر واستبصر أن بإزاء كل حد من حدود الأشد والأضعف إذا كان ماهية نوعية كانت هناك ماهيات متباينة بحسب المعنى والحقيقة حسب انفراض الحدود الغير المتناهية. فلو كان الوجود أمرا عقليا نسبيا كان تعدده بتعدد المعاني المتمايزة المتخالفة الماهيات فيلزم ما ذكرناه.
Shafi 66
(37) نعم إذا كان للجميع وجود واحد وصورة واحدة اتصالية كما هو شأن المتصلات الكمية القارة أو غير القارة وكانت الحدود فيها بالقوة لم يلزم محذور أصلا إذ وجود تلك الأنواع التي هي بإزاء الحدود أو الأقسام وجود بالقوة لا بالفعل إذا الكل موجود بوجود واحد اتصالي وحدته بالفعل وكثرته بالقوة. فإذا لم يكن للوجود صورة عينية كان الخلف لازما والإ شكال قائما.
Shafi 67
المشعر الرابع في دفع شكوك أوردت على عينية الوجود (38) إن للمحجوبين عن مشاهدة نور الوجود الفائض على كل ممكن موجود والجاحدين لأضواء شمس الحقيقة المنبسطة على كل ماهية إمكانية حجبا وهمية وحججا قوية كشفناها وأزحنا ظلمتها وفككنا عقدتها وحللنا إشكالها بإذن الله الحكيم وهي هذه:
(39) سؤال: إن الوجود لو كان حاصلا في الأعيان لكان موجودا فله أيضا وجود ولوجوده وجود آخر إلى غير النهاية.
(40) جواب: إنه إن أريد بالموجود ما يقوم به الوجود فهو ممتنع إذ لا شيء في العالم موجود بهذا المعنى لا الماهية ولا الوجود. أما الماهية فلما أشرنا إليه من أنه لا قيام للوجود بها. وأما الوجود فلامتناع أن يقوم الشيء بنفسه. واللازم باطل فكذا الملزوم.
بل نقول: إن أريد بالموجود هذا المعنى أي ما يقوم به الوجود يلزم أن يكون الوجود معدوما بهذا المعنى. فإن الشيء لا يقوم بنفسه كما أن البياض ليس بذي بياض. إنما الذي هو ذو بياض شيء آخر كالجسم أو المادة. وكونه معدوما بهذا المعنى لا يوجب اتصاف الشيء بنقيضه لأن نقيض الوجود هو العدم أو اللا وجود لا المعدوم أو اللا موجود. وقد اعتبرت في التناقض وحدة الحمل مواطاة أو اشتقاقا.
وإن أريد به المعنى البسيط المعبر عنه بالفارسية ب هست ومرادفاته فهو موجود وموجوديته هو كونه في الأعيان بنفسه وكونه موجودا هو بعينه كونه وجودا لا أن له أمرا زائدا على ذاته. والذي يكون لغيره منه يكون له في ذاته كما أن الكون في المكان وفي الزمان لهما بالذات ولغيرهما بواسطتهما وكما في التقدم والتأخر الزمانيين والمكانيين فإنهما لأجزائهما
Shafi 68
بالذات ولغيرهما بواسطتهما وكما في معنى الاتصال فإنه ثابت للمقدار التعليمي بالذات ولغيره سببه وكالمعلومية للصورة العلمية بالذات وللأمر الخارجي بالعرض.
(41) سؤال: فيكون كل وجود واجبا بالذات إذ لا معنى لواجب الوجود إلا ما يكون وجوده ضروريا وثبوت الشيء لنفسه ضروري.
(42) جواب: هذا مندفع بثلاثة أمور: التقدم والتأخر والتمام والنقص والغنى والحاجة. وهذا المورد لم يفرق بين الضرورة الذاتية والضرورة الأزلية. فواجب الوجود يكون مقدما على الكل غير معلول لشيء وتاما لا أشد منه في قوة الوجود ولا نقصان فيه بوجه من الوجود وغنيا لا تعلق له بشيء من الموجودات إذ وجوده واجب بالضرورة الأزلية من غير تقييده بما دام الذات ولا اشتراطه بما دام الوصف. والوجودات الإمكانية مفتقرات الذوات متعلقات الهويات إذا قطع النظر عن جاعلها فهي بذلك الاعتبار باطلة مستحيلة إذ الفعل يتقوم بالفاعل كما أن ماهية النوع المركب يتقوم بفصله. فمعنى كون الوجود واجبا أن ذاته بذاته موجود من غير حاجة إلى جاعل يجعله ولا قابل يقبله. ومعنى كون الوجود موجودا أنه إذا حصل إما بذاته أو بفاعل لم يفتقر في كونه متحققا إلى وجود آخر يحصل له بخلاف غير الوجود لافتقاره في كونه موجودا إلى اعتبار الوجود وانضمامه.
(43) سؤال: إذا أخذ كون الوجود موجودا أنه عبارة عن نفس الوجود وكون غيره من الأشياء موجودا أنه شيء له الوجود فلم يكن حمل الوجود على الجميع بمعنى واحد. وقد ثبت أن إطلاق الوجود على جميع الموجودات بمعنى مشترك. فلا بد من أخذ الوجود موجودا بالمعنى الذي أخذ في غيره من الموجودات وهو أنه شيء له الوجود. فلم يكن الوجود موجودا لاستلزامه التسلسل عند عود الكلام إلى وجود الوجود جذعا.
(44) جواب: هذا الاختلاف بين موجودية الأشياء وبين موجودية الوجود
Shafi 69
ليس يوجب الاختلاف في إطلاق مفهوم الوجود المشتق المشترك بين الجميع لأنه إما معنى بسيط كما مرت الإشارة وإما عبارة عما ثبت له الوجود بالمعنى الأعم سواء كان من باب ثبوت الشيء لنفسه الذي مرجعه عدم انفكاكه عن نفسه أو من باب ثبوت الغير له كمفهوم الأبيض والمضاف وغيرهما. فإن مفهوم الأبيض ما له البياض سواء كان عينه أو غيره.
(45) والتجوز في جزء معنى اللفظ لا ينافي كون إطلاقه بحسب الحقيقة. وكون الأبيض مشتملا على أمر زائد على البياض إنما لزم من خصوصية بعض الأفراد لا من نفس المفهوم فكذلك كون الموجود مشتملا على أمر زائد على الوجود كالماهية إنما ينشأ من خصوصيات الأفراد الممكنة لا من نفس المفهوم المشترك.
(46) نظير ذلك ما قال الشيخ الرئيس في إلهيات الشفاء إن واجب الوجود قد يعقل نفس واجب الوجود كما أن الواحد قد يعقل نفس الواحد وقد يعقل من ذلك أن ماهية ما إنسان أو جوهر آخر هو واجب الوجود كما أنه يعقل من الواحد أنه ماء أو إنسان وهو واحد. قال ففرق إذا بين ماهية يعرض لها الواحد أو الموجود وبين الواحد والموجود من حيث هو واحد وموجود.
(47) وقال أيضا في التعليقات إذا سئل: هل الوجود موجود فالجواب أنه موجود بمعنى أن الوجود حقيقته أنه موجود. فإن الوجود هو الموجودية.
(48) ولقد أعجبني كلام السيد الشريف في حواشي المطالع وهو أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم المشتق كالناطق وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل. ولو اعتبر في المشتق ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الإمكان الخاص ضرورية. فإن الشيء الذي له الضحك هو الإنسان
Shafi 70
وثبوت الشيء لنفسه ضروري. فذكر الشيء في تفسير المشتقات بيان لما رجع إليه الضمير الذي فيها. انتهى كلامه.
(49) وهو قريب بما ذكره بعض أجلة المتأخرين في الحاشية القديمة لإثبات اتحاد العرض والعرضي.
(50) فعلم أن مصداق المشتق وما يطابقه أمر بسيط ليس يجب فيه تركيب بين الموصوف والصفة ولا الشيء معتبر في الصفة لا عاما ولا خاصا.
(51) سؤال: إن كان الوجود في الأعيان صفة موجودة للماهية فهي قابلة له والقابل وجوده قبل وجود المقبول فيتقدم الوجود على الوجود.
(52) جواب: كون الوجود متحققا في الأعيان فيما له ماهية لا يقتضي قابلية الماهية له إذ النسبة بينهما اتحادية لا ارتباطية. واتصاف الماهية بالوجود إنما يكون في ظرف التحليل إذ الوجود من العوارض التحليلية للماهية كما سبق وسيجئ زيادة إيضاح.
(53) سؤال: إن كان الوجود موجودا فإما أن يتقدم على الماهية أو يتأخر أو يكونا معا. فعلى الأول يلزم حصوله مستقلا دون الماهية فيلزم تقدم الصفة على موصوفها وتحققه بدونها. وعلى الثاني يلزم أن تكون الماهية موجودة قبله ويلزم التسلسل. وعلى الثالث يلزم أن تكون الماهية موجودة معه لا به. فلها وجود آخر فيلزم ما مر. فبطلان التوالي بأسرها مستلزم لبطلان المقدم.
(54) جواب: قد مر أن اتصاف الماهية بالوجود أمر عقلي ليس كاتصاف الشيء بالعوارض الخارجية كالجسم بالبياض حتى يكون لكل منهما ثبوت آخر ليتصور بينهما هذه الشقوق الثلاثة من التقدم والتأخر والمعية. فلا تقدم ولا تأخر لأحدهما على الآخر ولا معية أيضا إذ الشيء لا يتقدم على
Shafi 71
نفسه ولا يتأخر ولا يكون أيضا معه.
(55) وعارضية الوجود للماهية أن للعقل أن يلاحظ الماهية من حيث هي هي مجردة عن الوجود: فحينئذ يجد الوجود خارجا عنه. فلو أعيد السؤال في النسبة بينهما عند التجريد بحسب الذهن يقال: هما بحسب التحليل معان في الوجود بمعنى أن الوجود بنفسه أو بجاعله موجود والماهية بحسب نفسها واعتبار تجريد العقل إياها عن كافة الوجودات لها نحو من الثبوت كما سيجيء بيانه. والحاصل أن كونهما معا في الواقع عبارة عن كون الوجود بذاته موجودا والماهية متحدة به وموجودة بنفسه لا بغيره. فالفاعل إذا أفاد الماهية أفاد وجودها وإذا أفاد الوجود أفاد بنفسه. فوجود كل شيء هو في ذاته مصداق لحمل ماهية ذلك الشيء عليه. فلا تقدم ولا تأخر لأحدهما على الآخر. وما قال بعض المحققين من أن الوجود متقدم على الماهية أراد به أن الأصل في الصدور والتحقق هو الوجود وهو بذاته مصداق لصدق بعض المعاني الكلية المسماة بالماهية والذاتيات عليه كما أنه بواسطة وجود آخر عارض عليه مصداق لمعان أخر تسمى بالعرضيات.
وليس تقدم الوجود على الماهية كتقدم العلة على المعلول وتقدم القابل على المقبول بل كتقدم ما بالذات على ما بالعرض وما بالحقيقة على ما بالمجاز.
(56) سؤال: نحن قد نتصور الوجود ونشك في كونه موجودا أم لا فيكون له وجود زائد. وكذا الكلام في وجود الوجود ويتسلسل. فلا محيص إلا بأن يكون الوجود اعتباريا محضا.
(57) جواب: حقيقة الوجود لا تحصل بكنهها في ذهن من الأذهان إذ ليس الوجود أمرا كليا ووجود كل موجود هو عينه الخارجي والخارجي لا يمكن أن يكون ذهنيا. والذي يتصور من الوجود هو مفهوم عام ذهني يقال له الوجود الانتسابي الذي يكون في القضايا. والعلم بحقيقة الوجود لا يكون إلا
Shafi 72