أعظم الأعداء للتفكير السليم ولا نقول التفكير العبقري هو الخوف.
ونحن نخاف كثيرا، نخاف العرف الاجتماعي؛ ولذلك نستهدف الوقار فلا ننزع الطربوش مثلا إلا بعد مجهود كبير، وقد يخاف الأديب الصراحة فيخرج أدبه وقورا لا تجد فيه سوى الكلمات والعبارات المألوفة التي لا تبعث على تفكير أو سخط، يخاف المخالفة للتقاليد أو العقائد الاجتماعية العامة، فهو يفكر وهو محاط بسياج منها يجمد ذهنه ويمنعه من الوثوب.
والخوف يحملنا على أن نسلك السلوك الاجتماعي، لا شك في ذلك، ولكنه أيضا يحول بيننا وبين حرية الذهن والابتكار والتطور، بل أحيانا يزيد الخوف فيجعل الخائف مريضا عاجزا عن التفكير البسيط العادي، وكثيرا ما نجد الذكاء لهذا السبب في الطفل المدلل الذي لم يخوف في طفولته وإن كنا نجد إلى جانب ذلك نزقا في أخلاقه.
ولكن الطفل الذي ذلل وأخضع وهو صغير قلما يبتكر في تفكيره، إذ هو ينشأ خاضعا يقبل أي وضع اجتماعي.
وقل مثل ذلك في المرأة، فإننا نعنى أكبر العناية بتخويفها من المجتمع حرصا على سلامتها الأخلاقية؛ ولذلك قلما نجد فيها إقداما، بل هي تمتنع بباعث داخلي عن بحث موضوعات عديدة لأنها تخافها، وعندئذ - أي بسبب هذا الخوف - تبدو كما لو كانت غير ذكية.
إن أول شرط للذكاء هو حرية التفكير أي التفكير بلا خوف.
فذكاؤنا ينقص عندما ننشد الوقار في الكتابة، وأكاد أقول إن الكاتب العبقري هو الكاتب الحر، وأعني بالحرية أنه لا يرتبط بمذهب سياسي معين أو بتقاليد أديبة أو اجتماعية؛ لأنه حين يرتبط بقيم وحواجز يمنع بها نفسه عن التفكير فيما يخالف هذا المذهب أو هذه التقاليد.
وليس هناك مفر من أن نخوف أبناءنا لأن هذه الدنيا التي سيحيون فيها تحتوي الكثير من الأخطار، ولكننا نعطل ذكاءهم إذا أسرفنا في تخويفهم.
إن دنيانا تحفل بالذكاء ولكنها تفتقر إلى الشجاعة، وهي تحتاج إلى التغير والتطور بل تحتاج إلى الثورة، ليس على المستعمرين والمستبدين فقط وإنما على التقاليد التي تمد يدها الميتة عبر القرون المظلمة، فتشل إرادتنا، وتجمد حركتنا الارتقائية، وتبقينا مرتبطين بالماضي لا نخطو ولا نثب إلى المستقبل.
الفصل التاسع
Shafi da ba'a sani ba