ونرى أن الشاب الجاد في تعب، يجهد ويعرق ويفكر كثيرا ويحمل أعباء من الهموم والاهتمامات، ويضطلع بالمسئوليات المادية والروحية، وهو رزين في حديثه يقتصد في كلماته وابتساماته، ينام ليله ويسعى نهاره في طلب الرزق أو ترقية شخصيته بالدرس.
والمقارنة بين هذين الاثنين توهمنا أن الأول سعيد باستهتاره والثاني شقي بجده، ولكن هذا خطأ فاضح؛ لأن استمتاعات الشاب الجاد تسير على مستوى أعلى من استمتاعات الشاب المستهتر، كما أنها تمتد إلى عشرات السنين في المستقبل في حين تنقطع استمتاعات الشاب المستهتر قبل أن يبلغ الأربعين أو الخمسين.
إن المستهتر يحيا بلا حياة تنتظره في النصف الثاني من عمره، في حين يحيا الجاد حياته كلها إلى يوم وفاته، الأول - أي المستهتر - يقف عند الأربعين أو الخمسين بلا اهتمامات روحية أو ثقافية أو فنية أو اجتماعية، وبلا رسالة، وفي أغلب الأحيان بلا صحة، أما الثاني - أي الجاد - فإنه ربط نفسه منذ العشرين أو قبلها بروابط الارتقاء الشخصي والخدمة الاجتماعية والاستطلاعات الثقافية، فهو شاب يرقص قلبه بطرب الحياة حتى ولو تجاوز المئة من العمر.
وطرب الحياة ليس كأسا من الخمر أو وجبة لذيذة من الطعام أو صبوة غرامية، لأننا مهما التذذنا هذه المتع فإننا نعرف أنها زائلة موقوتة وأنها دون ذلك الانتعاش الذهني الذي نحسه من الوقوف على نظرية في الفلسفة أو العلم، أو ذلك الارتياح الجميل الذي يغمرنا حين نؤدي خدمة بارة للمجتمع، أو تلك اللذة الحميمة التي نحس بها حين نجول في أيام الربيع؛ فإن طرب الحياة هنا باق غير زائل، ونحن نستمتع به طوال أعمارنا.
كثيرا ما أجد رجلا في العقد السابع أو الثامن من عمره قد تعددت اهتماماته فتوافرت له بذلك استمتاعاته؛ لأنه أخذ حياته منذ شبابه مأخذ الجد ولم يستهتر، في حين أن أولئك المستهترين أيام شبابهم لا يكادون يبلغون الستين من العمر حتى يحسوا الحيرة وحتى يتساءلوا في عجب: لماذا هم أحياء؟
أيها الشباب استمتع بالجد الباقي ولا تستمع باللهو الزائل.
الفصل السادس
لن نخسر المعركة
من أقوال روزفلت الرئيس السابق للولايات المتحدة: إنه ليس هناك معركة نكسبها تماما أو نخسرها تماما.
والمعنى الذي قصد إليه أن المعركة التي نظن أننا كسبناها كثيرا ما تحتوي عناصر الهزيمة بالإهمال في المحافظة على موقف الانتصار، وكذلك المعركة التي نظن أننا خسرناها قد تحتوي على عناصر الانتصار؛ لأنها تبعث في نفوسنا إرادة الانتصار وإصلاح الأخطاء السابقة ثم النهوض للثأر.
Shafi da ba'a sani ba