[القرامطة والقائلون بوحدة الوجود شركاء الفلاسفة في إلحادهم]
ومن هنا: ضل من شركهم في هذا من الملحدين من أهل الملل كالقرامطة الباطنية، والقائلين بوحدة الوجود ونحوهم من الحلولية والاتحادية؛ حيث قال هؤلاء: الوجود واحد، ولم يميزوا بين الواحد بالنوع والواحد بالعين. فإنه إذا قال: الإنسان واحد؛ كان هذا واحدا بالنوع، بخلاف قولك: هذا رجل واحد. والواحد بالنوع هو مشترك بين أفراده، وهو الكلي المنقسم إلى أنواعه، كانقسام الماء إلى: طاهر وطهور ونجس، وانقسام الكلم إلى: اسم وفعل وحرف، ونحو ذلك.
ومعلوم أن الوجود واحد بهذا الاعتبار؛ لكن هذا لا يقتضي: أن نفس هذا الموجود هو نفس هذا الموجود، كما لا يقتضي: أن يكون نفس هذا الماء هو هذا الماء، ونفس هذه الكلمة هي نفس هذه الكلمة، بل كل شيء، فإنه في الخارج متميز بنفسه عن غيره، وإن كان بينهما تشابه ينتزع العقل منه قدرا مشتركا واحدا. فالإنسان الكلي الذي يعقله الذهن إذا كان واحدا لم يكن هذا الإنسان الموجود هو عين هذا الإنسان الموجود، بل ذلك في الحقيقة هو علم وهو عرض وصفة قائمة بقلب الإنسان. فالموجود الذي هو واحد هو ما في الذهن من الوجود الكلي الذي يعقله الذهن سواء أخذه العقل مجردا مطلقا بشرط الإطلاق، أو أخذه مطلقا لا بشرط إطلاق ولا تقييد، ليس ما في الذهن عين ما في الخارج، بل الذي في الخارج إنسان معين مقيد مخصوص، فلا يوجد في الخارج إنسان غير معين مقيد. وكذلك سائر الكليات.
والوجود من هذا الباب، فلا يوجد في الخارج إلا وجود معين مختص متميز عما سواه.
Shafi 107