وإنما المقصود هنا: أن الكتب الإلهية كالقرآن والتوراة -اللذين لم يأت من عند الله كتاب أهدى منهما- أخبرت: بأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. ولهذا شرع لأهل الملل أن يجمعوا في كل أسبوع يوما؛ فإن ذلك يحفظ دور الأسبوع التابع للأسبوع الأول / (¬1) الذي خلق الله فيه العالم. إذ الأسبوع ليس له سبب محسوس كما لليوم والليلة، والشهر، وإنما عرف ذلك بإخبار الأنبياء. ولهذا لا توجد أيام الأسبوع إلا في لغة من أخذ عن الأنبياء، بخلاف الأمم الذين لم يقتدوا بكتاب منزل، فإنهم يسمون اليوم والشهر والعام، ولا يذكرون الأسبوع.
والمقصود هنا: أن ما أخبرت به الأنبياء ليس في العقل ما يعارضه، وليس مع المتفلسفة ما يدل على قدم السماوات والأرض التي أخبرت الرسل بأن الله خلقها في ستة أيام، بل ما أخبرت به الرسل من ذلك دليل على أن له فعلا يقوم بذاته؛ كالاستواء والإتيان والمجيء، بل وكالخلق أيضا ونحو ذلك، ومفعولات منفصلة عنه كالمخلوقات. وهؤلاء المتفلسفة الدهرية تنكر الأمرين. فمناظرهم من أهل الكلام المعتزلة ونحوهم من أنكر قيام الأفعال بذاته موافقة لهم على ذلك، وظن أن قيام الأفعال أو الصفات أيضا دليل على حدوث الموصوف بذلك، وجعل هذا حجته على الفلاسفة في حدوث ذلك؛ فلزم من دليله حدوث الخالق تعالى؛ لأنه موصوف وله فعل. وهذا باطل. وكانت حجته على أصل الأنبياء وأتباعهم، وعلى أصل الفلاسفة أيضا؛ حيث جوزوا قيام الصفات والأفعال بقديم عن واجب الوجود، وكانت حجته مبنية على حدوث حادث بلا سبب، وهذا باطل في العقل. وإذا بطلت حجته لم يلزم صحة قول الفلاسفة الذين هم أضل منه وأجهل، فإن حجتهم أدحض؛ إذ مضمونها: صدور المختلفات عن واحد من كل وجه، وصدور الحوادث كلها عن من لم يحدث منه ولا فيه شيء أصلا. وفي ذلك من الترجيح بلا مرجح، والحدوث بلا سبب حادث أعظم مما في قول أولائك.
Shafi 99