وإذا كان قول هؤلاء المتفلسفة مستلزما أن تكون الحوادث الممكنة كلها حادثة بغير محدث؛ وذلك مستلزم للقول بوجود الممكن القديم بغير مرجح بطريق الأولى والأحرى؛ علم أن قولهم بقدم العالم وصدوره عن وجود مجرد، أو ذات مجردة، أو ما قالوه، سواء كان متوسط قديم آخر هو العقل، أو بغير توسط هذا القديم؛ تضمن ما أنكروه على المتكلمين القائلين بحدوثه عن فاعل مختار من غير حوادث متعاقبة، سواء قالوا مع حدوث حوادث في الفاعل المختار، أو بدون حدوث حوادث فيه.
وإن ما ألزموه لهؤلاء من حدوث حادث بغير سبب حادث يلزمهم ما وهو أعظم منه، وهذا هو المقصود.
ولهذا كانت العقول الصريحة والفطر السليمة الزكية تبين لها فساد أقوالهم وتجزم به؛ وإن كانت تشك في فساد أقوال خصومهم. ولهذا كان العقلاء الذين وافقوا خصومهم أعظم قدرا وعددا من العقلاء الذين وافقوهم، وكان لخصومهم من النظر الصحيح، والأدلة الصحيحة، والأقوال السليمة، في العلم الإلهي ما ليس لهم قريب منه؛ إذ كلامهم في العلم الإلهي قليل يرد، وإنما عامة كلامهم في الطبيعيات والرياضيات فلهم فيها متسع ومجال، وأما في الإلهيات فهم فيها بين الإفلاس والإزغال والإقلال؛ إما أن لا يكون عندهم فيها شيء فيكونون مفاليس جهالا جهلا بسيطا، وإما أن يكون عندهم الملبوس المغشوش ما هم فيه جهال جهلا مركبا، وإما أن يكون عندهم من الحق ما هو نزر قليل وهو متعب (كلحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل) (¬1).
Shafi 96