وأبو عبد الله في جوابه لم يمكنه أن يلتزم هذا ولا هذا؛ إذ كلاهما ممتنع عنده؛ والحجة تلزمه القول بأحد الممتنعين. ولهذا تكافأت عنده الأدلة في مسألة حدوث العالم، ولم يجب الفلاسفة إلا بأن هذه الحجة مستلزمة عدم الحدوث مطلقا، وهذا / (¬1) إنما يلزمها إذا قبل بامتناع التسلسل، وهم يقولون بجواز التسلسل ولكن في الممكنات لا في الواجب؛ فكان قولهم باطلا.
[ضعف المتكلمين في بيان بطلان قول المتفلسفة]
لكن هو وأمثاله لا يمكنهم بيان بطلانه؛ فإنهم ألزموا منازعهم التسلسل مطلقا مع القول بامتناع التسلسل؛ فألزموه الجمع بين النقيضين؛ حيث فرض ذات لا فعل لها أصلا ولا يحدث عنها ولا فيها شيء أصلا، لا كلام ولا حركة ولا غير ذلك، وأن تلك الذات فعلت وحدث عنها كلام وفعل وغير ذلك بعد أن لم تكن تفعل ولا تتكلم ولا يحدث عنها شيء.
قالوا: فهذا يستلزم حدوث حادث بلا سبب، وترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، وهذا ممتنع، أو التسلسل؛ وهو مناقض لهذا القول؛ الذي مضمونه نفي التسلسل.
ومضمون الأمر: أنكم نفيتم التسلسل، والحجة توجب التسلسل.
وهم لا يحتاجون في بيان مناقضة خصومهم المتكلمين أن يقولوا: التسلسل محال مطلقا، بل يقولون: التسلسل محال عندكم؛ مع أن الحجة تثبته.
وإذا كان هذا التسلسل واقعا في نفس الأمر؛ وهو التسلسل في الشروط لا في العلل؛ فإن التسلسل في العلل قد اتفق العقلاء على امتناعه، كما أن الدور في العلل قد اتفقوا على امتناعه، وهو الدور القبلي.
Shafi 87