ولعمري إن مثل هذا التغيير لا يضارعه مثيل في القسوة والفظاعة البهيمية، وإني لا أشك أنهم قتلوا الضعفاء الأبرياء، وذبحوهم كما تذبح الأغنام، ولقد مضى شهران على الروسيين وهم مقيمون، ومع ذلك لم يسمع أن تركيا أساء إلى أحد من المسيحيين. ومما يحكى أن ضابطا روسيا اشترى من أحد الفلاحين المسيحيين ديكين روميين بمبلغ نصف شلن، ثم سأل الفلاح قائلا: «أليس الناس في سرور لمقابلة إخوانهم المسيحيين؟» فأجابه: «فلننظر حتى نرى إن كنتم تعاملوننا كما كان يعاملنا الأتراك بالحسنى!»
وقد سأل المستر إدموند قنصل إنكلترا في «فيلوبوبوليس» خليل أوغلي حسين ومصطفى أوغلي عبد الله وسليمان أوغلي رشيد، وهم من سكان «بالفان» التي تبعد بمسافة سير ثلاث ساعات من ترنافو عما جرى لهم من الإهانات، فأجابوا بما يأتي: «في صباح السبت الماضي «7 يوليو» وصل ألايان من الكوساكز إلى قرية «بالفان فخرج كبارها حين سمعوا بوصول الروسيين لمقابلة قوادها، ولكن الكوساكز حاصروا القرية وطلبوا من السكان تسليم أسلحتهم، وفي اليوم الثاني حضر ألايان آخران من الكوساكز وأحاطوا كإخوانهم بالقرية، وكان يصحبهم في هذه المرة عدد لا يقل عن ألفين أو ثلاثة آلاف من البلغاريين الذين يسكنون القرى المجاورة، وجميعهم متقلدون بالنبابيت والسكاكين والبنادق والسيوف المختلفة الأجناس، فابتدأ هؤلاء الأوغاد في طرد أهل القرية وحيواناتهم، ونهب الناس وسلبهم من كل شيء يستحق الأخذ، ثم أشعلوا النار في القرية في أماكن عديدة، وكلما حاول أحد الخروج من لظى النار ولا سيما الأطفال والنساء حملوا عليه وزجوه فيها.
أما الكوساكز فإنهم وقفوا بعيدا على شكل كوردون حول القرية غير متألمين مما يجري أمام أعينهم، بل كانت علائم السرور بادية على وجوههم، ولولا أننا «خليل أوغلي ومن معه» هجمنا على الكوردون بقلوب شجعها اليأس وقطعناه في طرف القرية، ما تمكنا من الفرار من لهيب النار.
وكان المتكلم هو خليل أوغلي المذكور، ولقد استمر في حديثه وعلامات الحزن والأسف بادية على وجهه، ولكنه حينما أراد أن يتكلم عما حصل لعائلته بكى بكاء مرا، وصار يتنهد كما تتنهد الثكلى، ثم خنقته العبرة؛ فلم يقدر على الكلام، وبعد مدة طويلة أمكنه أن يعبر لنا عما حصل لأختيه اللتين كان يعتني بأمرهما؛ لأن زوجيهما كانا في الجيش، وقال لنا: إنه رأى بعينيه عائلته وقد كانت تزيد عن إحدى عشرة نسمة ترمى في النار واحدا بعد واحد.
ولما عبر الروسيون نهر الدانوب سنة 1877 قبضوا على نساء الأتراك وأطفالهم الذين كانوا يحاولون الهرب من وجه أعدائهم، وأحضروهم إلى مدينة شملا بحالة تذيب الأفئدة وتقطع الأكبدة، وهناك رآهم بعض مكاتبي الجرائد الأوروبية، فكتبوا قرارا بهذا الشأن وأمضوا عليه.
ولقد أرسل وزير خارجية الدولة العلية هذا القرار إلى السفارة العثمانية في باريس بتاريخ 21 يوليو سنة 1877 قائلا: «إني سأرسل إليكم القرار الآتي بإجماع وإمضاءات مكاتبي الجرائد الأجنبية الآتية، وهي: «كولونيا غازت» «جرنال الديبا» «نيوفراي برسيه» «ستندارد» «دايلي تلغراف» «اللستر اند لندن نيوز» «مانشستر جارديان» «التيمس» «فرانكفور ترزايتنج» «مورنن بوست» «ريببليك فرانسز» «بسترلويد» «فاينرتاجبلاط» «مورنن إدفر تيسر» «سكوتمان» «نيويورك هرالد» «منشستر أكزامنر»، والقرار هو الآتي:
الممضون أدناه الذين يمثلون الصحافة الأوروبية والمجتمعون في مدينة شملا يرون أن من واجباتهم أن يمضوا الرسائل التي أرسلها كل واحد منهم إلى جريدته عن القسوة البربرية التي ارتكبها ويرتكبها البلغاريون ضد السكان المسلمين الأبرياء، وأن يشهد كل منا أننا رأينا بأعيننا جراح النساء والشيوخ والأطفال، وسألنا في مدينتي «راسجرار» و«شملا» النساء والأطفال والشيوخ عما حل بهم من الجراحات العنيفة بالسيوف والحراب فضلا عن البنادق التي ربما ظن أنها أصابتهم أثناء اشتعال نار الحرب.
ويستدل من أجوبتهم أن ما حل بهم هو من معاملة الروسيين والبلغاريين، ويستنتج من كلامهم أيضا أن معظم سكان القرى من المسلمين ذبحوا كما تذبح الأغنام، ونحن الممضون أدناه نقر أن أغلب الجرحى من النساء والأطفال.
الإمضاءات
وكتب مكاتب التيمس - وقد صحب هذا المكاتب الجنرال جوركو ورأى بعينه ما حل بالأتراك الأبرياء - من معسكر جنوب البلقان في 12 يوليو سنة 1877 ما يأتي:
Shafi da ba'a sani ba