بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه خير الأنبياء والمرسلين. وبعد، فقد شهد هذا العام فوز الدولة العلية في حربها مع اليونان فوزا عظيما، وانتصارها نصرا مبينا، ورأى العالمون بين أصدقاء للدولة وأعداء براهين حياتها ودلائل شبيبتها، فانتعشت نفوس أبنائها وأصدقائها، وطمس الله على قلوب خصومها وأعدائها، حيث قضى لها بما قضى من الفوز والنصر والسمو والرفعة.
وقد طلب مني بعد انتهاء الحرب بعض أصدقاء يحسنون الظن بشخصي الضعيف أن أكتب تاريخ هذه الحرب الشهيرة؛ فأجبت الطلب لا عن شعور بمقدرتي على ذلك، بل عن سرور جزيل وحبور نادر المثيل بما نالت الدولة العلية حماها الله.
وقد أحببت أن أقدم للقراء الكرام قبل تاريخ الحرب ملخصا عن المسألة الشرقية التي هي موضوع اشتغال الشرقيين والغربيين، وإني أسأل القراء الكرام عذرا إذا كنت اضطررت للإيجاز في بيان المسألة الشرقية، فقد قضى علي الوقت بذلك، وأؤمل العودة لموضوعها في فرصة أخرى، مع بيان أوفى وأشفى.
وإني أضرع إلى الله فاطر السماوات والأرض من فؤاد مخلص وقلب صادق أن يهب الدولة العلية القوة الأبدية والنصر السرمدي؛ ليعيش العثمانيون والمسلمون مدى الدهر في سؤدد ورفعة، وأن يحفظ للدولة العثمانية حامي حماها وللإسلام، إمامه وناصره، جلالة السلطان الأعظم والخليفة الأكبر الغازي «عبد الحميد الثاني» وأن يحفظ لمصر في ظل جلالته عزيزها المحبوب، وأميرها المعظم سمو الخديوي «عباس حلمي باشا الثاني»، إن ربي سميع مجيب.
مصطفى كامل
مصر في شعبان سنة 1315/يناير سنة 1898
المسألة الشرقية
اتفق الكتاب والسياسيون على أن المسألة الشرقية هي مسألة النزاع القائم بين بعض دول أوروبا وبين الدولة العلية، بشأن البلاد الواقعة تحت سلطانها، وبعبارة أخرى: هي مسألة وجود الدولة العلية نفسها في أوروبا، وقد قال كتاب آخرون من الشرق ومن الغرب بأن المسألة الشرقية: هي مسألة النزاع المستمر بين النصرانية والإسلام، أي مسألة حروب صليبية متقطعة بين الدولة القائمة بأمر الإسلام وبين دول المسيحية. إلا أن هذا التعريف وإن كان فيه شيء من الحقيقة، فليس بصحيح تماما؛ لأن الدول التي تنازع الدولة العلية وجودها لا تعاديها باسم الدين فقط، بل في الغالب تعاديها طمعا في نوال شيء من أملاكها، وقد أرانا التاريخ أحوالا كثيرة لم يستعمل الدين فيها إلا سلاحا أو وسيلة لنوال غرض جوهري، فهو ستار تختفي وراءه أغراض شتى وأطماع مختلفة. والذي يراجع تاريخ الدولة العلية، ويقلب صحائف أمورها من أول وجودها إلى اليوم؛ يرى أن المسألة الشرقية نشأت مع الدولة نفسها؛ أي إنه منذ وطأت أقدام الترك ثرى أوروبا، وأسسوا دولتهم الفخمة، قام بينهم وبين بعض الدول الأوروبية النزاع الشديد، ودارت الحروب العديدة.
وبالجملة فإنه منذ ظهرت صولة الترك في أوروبا، أخذت بعض الدول على عهدتها معاداة الدولة ومطاردتها، والعمل على إخراجها من هاته القارة، ولكنها أعمال حبطت وآمال خابت؛ إذ أصبح أمر بقاء دولة آل عثمان من أول الأمور الضرورية اللازمة لسلامة بني الإنسان.
Shafi da ba'a sani ba