Masalar Gabas
المسألة الشرقية ومؤتمر باريس
Nau'ikan
لقد حكم نيكولاس روسيا مدة ثلاثين عاما بالقسوة والعنف والسيف، فلقد كانت تدور في خلده دائما ذكريات الثورة الفرنسية، وما تم فيها من القضاء على الملكية والأرستقراطية، كان نيكولاس يؤمن قبل كل شيء بنظرية التفويض الإلهي للملوك، ويرى الأخذ بناصر الملكية والأرستقراطية، لا في روسيا وحدها بل في كل أجزاء أوروبا. كان نيكولاس محدود العقلية والتعليم، فلم يسمح بحرية التفكير أو النقد، وكان عهده عهد حكم البوليس السياسي في روسيا. كانت تهمه أطماعه قبل كل شيء؛ فهو مستعد أن يضحي في سبيلها بكل شيء في روسيا بالشعب والجيش، كما ظهر في حرب القرم.
كانت مثل نيكولاس الأتوقراطية أولا ثم الأرثوذكسية، ثم القومية الروسية التي فهم منها قبل كل شيء تميز روسيا عن غرب أوروبا.
حاول نيكولاس سياسة الإصلاح على طريقته الخاصة، فحاول إنقاذ روسيا من الفوضى، فلم يكن فيها قانون حقيقي، ومن نظام رق الأرض، فجمعت في عهده القوانين الكثيرة المتناقضة في قانون موحد أكثر من ذي قبل، وعدل وأضيف إليه، ولكن الإصلاح في النواحي الجنائية كان غير كاف، مما شجع الفساد والرشوة، وزاد الحالة سوءا عدم كفاية مرتبات الموظفين والقضاة، ولقد وضعت بعض إصلاحات في نظام البوليس حتى يتلاءم وحاجة القيصر، وأما الجيش فكان الاهتمام فيه قائما على التدريب الشكلي، ولكنه لم يوجه عناية إلى التسلح أو رفع مستوى الجندي، بالرغم من أن نيكولاس كان ينفق على الجيش حول 40٪ من ميزانية الدولة.
ولم تكن مالية روسيا في مستوى تحسد عليه. فعبء الضرائب والتجنيد كان في الواقع واقعا على كاهل الطبقات الفقيرة، وكانت الحكومة تلجأ في كثير من الأحيان عند عجز الإيرادات إلى عقد قروض محلية، ثم لا تتورع أن تلغي هذه القروض دون أي تعويض للدائنين.
لم تحاول الحكومة الروسية القيام بأي إصلاح لنظام الضرائب، واتبعت في بعض الأحيان سياسة الاقتصاد إلى حد عدم القيام بمشروعات خطوط السكك الحديدية المهمة؛ ولذا فلم ينشأ خط حديدي بين موسكو وبطرسبرج إلا في سنة 1851، ولكنه بالرغم من ذلك فلقد أخذت روسيا تدخل مرحلة التصنيع فتحولت موسكو إلى مدينة صناعية.
وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تتمتع في عهد نيكولاس بنفوذ كبير، وأخذت في محاربة الأديان والمذاهب المسيحية الأخرى والقضاء على الإلحاد، ولقد أهملت دراسة الفلسفة والأخلاق على أساس أن الدين المسيحي كاف لتوجيه الطلبة، ولاهتمام نيكولاس بفكرة الجامعة الصقلبية عني بتشجيع دراسة التاريخ واللغات الصقلبية، ونظمت الرقابة على الفكر تنظيما دقيقا، ونفي الناس تباعا إلى سيبريا لمجرد الشك، دون محاكمة ليعملوا في المناجم في ظروف غير إنسانية، وحرم على الباحثين في العلوم الطبيعية دراسة بعض أجزاء جسم الإنسان، كما حرم على الصحف نشر أخبار المخترعات، وكونت اللجان المختلفة لمراقبة الرقابة نفسها، فانتشر الخوف والشك في كل ربوع روسيا، ووصلت الرقابة إلى حد مراقبة المؤلفات الموسيقية حتى لا تكون رموزا لأشياء لا ترضاها الحكومة.
وأما رقيق الأرض، فكان في سنة 1838 يكون 44٪ من السكان، وكان عليهم عبء التجنيد وعبء الضرائب، فقاموا بثورات متعددة استمرت طوال عهد نيكولاس تقريبا، ولم تأخذ الحكومة أية خطوة جدية لتحرير العدد الأكبر من السكان، وإن كانت قد وضعت إصلاحات على الورق لم تنفذ، ولم تكن حال العمال بأحسن حال؛ فكانت المصانع إما ملكا للنبلاء أو الدولة، وكانت الحكومة تأخذ إنتاج المصانع وتضع الضرائب الجمركية العالية لحماية ذلك الإنتاج، وكما كان الفلاح مرتبطا بالأرض مدى حياته، كان العامل مرتبطا بالمصنع لا يسمح له بترك الخدمة فيه مدى حياته أيضا.
وكان أصحاب المصانع يشترون ما يلزمهم من العمال من أرستقراطية الإقطاعات، وذلك إلى سنة 1816، ومن بعد هذا التاريخ عمل في المصانع عدد كبير من الشحاذين والجنود والمجرمين وأسرى الحرب والأطفال، كما أن زوجات الجنود كن في كثير من الأحيان يرسلن إلى المصانع، وكانت الدولة مسئولة نظريا عن تحديد الأجر وساعات العمل وظروفه.
ولكنه من الناحية الفعلية، اقتصر اهتمام الحكومة على أصحاب المصانع؛ ولذا تعددت الإضرابات، وكان السبب الأساسي للإضراب ضآلة الأجور، وكثرة ساعات العمل. لقد كان نظام الرق في الأرض والمصنع العقبة الكبرى في سبيل تقدم روسيا في ذلك الوقت.
لم تكن حال روسيا من الناحية الحضارية والإنسانية أحسن من حال الدولة العثمانية، ومع ذلك فقد استطاعت التوسع الخارجي في الوقت الذي أخذت فيه الدولة العثمانية في الانكماش. توسعت روسيا ناحية الشرق والجنوب، توسعت في سيبريا إلى أن وصلت إلى المحيط الهادي، على أن التوسع الحقيقي كان بعد حرب القرم، وأما في آسيا الوسطى فلقد أخذ النفوذ الروسي يتغلغل فيها منذ أواخر العشرينيات للقرن التاسع عشر. •••
Shafi da ba'a sani ba