129

Matsalar Habasha

المسألة الحبشية

Nau'ikan

ومن كل ذلك نرى أن الشخص الذي يلوثه سائل الخردل هذا أو غازه لا يحمل الخطر لنفسه فحسب، بل يصير خطرا على سواه. بل إن مجرد تلوث حذاءه من الشارع مثلا قبل دخوله على أقاربه في المنزل يكفي أن يصيبهم الغاز المتصاعد من ذلك الحذاء الملوث.

وتصور فوق ذلك ما يمكن أن يحدث إذا أمطرت إحدى الطيارات هذا السائل على السكان الآمنين تحتها بشكل رذاذ بدلا من إلقاء قنابله، فتنشره على الرءوس والوجوه والملابس والأجسام وفي كل مكان.

ومن حسن الحظ أو من سوء الحظ أيضا أن الأعراض التي يحدثها سائل الخردل، أو غاز الخردل - كما تشاء أن تسميه - لا تظهر عادة إلا بعد مضي مدة تتراوح بين ساعتين إلى ثمان ساعات، وإذ ذاك لا يمكن لقدرة بشرية أن تمنع الأذى الذي يلحق الجسم. ومن ذلك نرى مقدار الأهمية العظمى والفائدة الكبرى في سرعة تطهير كل شخص يتعرض لذلك المركب الشيطاني سائلا كان أو غازا؛ إذ إن السرعة قد تمنع ظهور أعراضه بتاتا أو على الأقل تخففها.

أما سوء الحظ في هذا الأمر فناشئ من أن عدم ظهور الأعراض بسرعة قد تجعل المصاب غافلا عن تلوثه، فينقل الأذى إلى سواه.

أما الأعراض فكثيرة متنوعة، وتشمل بصفة خاصة التهاب العينين وتورمهما بشكل حاد شديد يمنع الرؤية مع هطول الدموع وتوتر الجفون والآلام الشديدة بالعين والرأس، والتهاب المسالك الهوائية - أي: الحنجرة والقصبة الهوائية والشعب - مع زكام وسعال جاف خشن، وألم بالمعدة مع قيء أحيانا، وكذلك حروق كاوية للجسم تبدأ كاحمرار أو التهاب يصحبه أكلان شديد في الجلد، ويستمر الحال عادة بظهور فقاقيع وحويصلات وتسلخ به كما يحدث من سقوط الماء الساخن، بل قد ينتهي الحال بظهور قروح مزمنة لا تشفى سريعا.

ومن حسن الحظ أن نسبة الوفيات من هذا المركب المزعج المؤلم قليلة جدا، وأن العلاج ممكن لمن يصاب بأعراضه ما لم تتلوث إصاباته بالميكروبات، فيصيبه القضاء المحتوم.

هذا هو غاز الخردل الشهير، أما صنوه المسمى «لويسايت» فيشبهه كثيرا في خواصه وأعراضه مع بعض الاختلاف في تركيبه إذ يحتوي على الزرنيخ؛ ولذا يؤثر على الأنف. كما يختلف في أن له رائحة خاصة تشبه «عطر الجناين»، وأن أعراضه في العين والأنف تظهر في الحال فيسهل العلم بوجوده، وعلى العموم فهو أسرع تأثيرا على الإنسان من أخيه، فتظهر أعراضه في ثلث ساعة بدلا من ساعتين أو ثماني ساعات.

هذه هي أهم الغازات السامة وأنواعها من حيث تأثيرها على الإنسان، ولكنها وأخواتها ليست كل ما قد يصادف أثناء الحرب، فهناك مثلا غاز «أول أوكسيد الكربون» السام الذي قد يستنشقه الإنسان داخل المنازل المحترقة لقلة الهواء داخلها، كذلك «غازات أوكسيد الأزوت» تنشأ من انفجار الديناميت وغيرها.

طرق الإغارة بالغازات السامة: إن معظم الغازات التي أشرنا إليها يمكن ملؤها في قنابل المدافع كالقنابل المعتادة تماما، وهذه بطبيعة الحال هي إحدى الطرق التي تستعملها الجيوش المتحاربة؛ إذ توجه فوهات مدفعياتها إلى العدو في ميدان الوغى حاملة الأذى والموت على كل لون من مفرقعات وسوائل وغازات.

أما في المدن أي داخلية البلاد، فرسل هذا الهلاك أو الأذى هي الطيارات التي تستطيع أن تحوم كطير أبابيل تقذف بحجارة من سجيل.

Shafi da ba'a sani ba