وأما إذا سكنها المسلمون وبنوا بها مساجدهم، فقد قال النبي ﷺ: "لا تصلح قبلتان بأرض" (١) . وفي أثر آخر: "لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب" (٢) . والمسلمون قد كثروا بالديار المصرية، وعمرت في هذه الأوقات؛ حتى صار أهلها بقدْر ما كانوا في زمن صلاح الدين مراتٍ متعددة. وصلاح الدين وأهل بيته كانوا يذلون النصارى، ولم يكونوا يستعملون منهم أحدًا من أمرٍ من أمور المسلمين أصلًا.
ولهذا كانوا مؤيدين منصورين على الأعداء مع قلة المال والعدد. فيما قويت شوكة النصارى والتتار بعد موت العادل (٣)، أخي صلاح الدين، حتى إن بعض الملوك أعطاهم بعض مدائن المسلمين. وحدثت حوادث بسبب التفريط فيما أمر الله (٤) به ورسوله ﷺ، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [سورة الحديد - ٢٥] .
_________
(١) سبق تخريجه، وتجويد الشيخ لإسناد أبي داود.
(٢) لم أعثر على تخريجه بعد.
(٣) هو الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب أخو المجاهد صلاح الدين، لكنه أصغر منه بسنتين، ولد سنة ٥٣٤، وحضر الفتوحات مع أخيه وكان عونًا له فيها وردءًا، تولى ملك مصر تسع عشرة سنة، وبها مات سنة ٦١٥ هـ، وله صنف الفخر الرازي كتابه: (أساس التقديس) كما في مقدمته، وهو الكتاب الذي رده شيخ الإسلام في كتابه الحافل (بيان تلبيس الجهمية في نقض بدعهم الكلامية) أسرع الله بنشره. رحم الله الجميع.
انظر السير ٢٢/١١٥، النجوم الزاهرة ٦/١٤٤-١٩٩، شفاء القلوب ٢٠٠، ذيل الروضتين ص ١١١.
(٤) ومن ذلك اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين والملاحدة بطانة وأعوانًا ومستشارين وجعلهم على مصالح المسلمين متنفذين، وتوليتهم خواص أمور الناس العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فعصوا الله ورسوله وحصل ما يشهده التاريخ والواقع، وإلى الله المشتكى، وعليه التكلان.
1 / 120