بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن برحمتك الحمد لله على سبوغ نعمته، وله الشكر على ما خصنا به من معرفته، و هدانا إليه من سبيل طاعته، ووقفنا من الاستبصار بحجته، ورزقنا من التمسك بحبله المتين وعروته، الذين اصطفاهم من خيرته، واجتباهم للحجة على بريته، محمد سيد أنبيائه وصفوته، والأئمة الطاهرين من عترته، عليهم أفضل صلواته ورحمته، وإياه نسأل تمام ما حبانا فيه من كرامته، بالعصمة مما شمل أهل عداوته، من الخذلان بالضلال عن حكمته، والاختلاف في شرع نبيه (صلى الله عليه وآله) والخلاف لسنته، وإن ثبت لنا برأفته ما نستديم به التوفيق في القول والعمل بمعونته، إنه ولي ذلك بلطفه وقدرته.
وبعد:
فقد وقفت - أدام الله عزك - على ما ذكرت عن شيخ بناحيتك من أصحاب الرأي، وما هو عليه من التحريك في عداوة أولياء الله منهم، والتبديع لهم، فيما يذهبون إليه من الأحكام المأثورة عن أئمة الهدى من آل محمد (عليهم
Shafi 29
السلام)، وأنه قد لج بذكر عشر مسائل، عزى إليهم فيها أقوالا قصد بها التشنيع، وحكم عليهم فيها بالتضليل، وادعى أنهم خارجون بها عن الإيمان، مخالفون بمقالهم فيها نصوص القرآن.
وسألت - بعد ذكرك في كتابك إلي على التفصيل والبيان - أن أقفك على الحقيقة من ذلك بما يرفع الريب فيما تعمده من التخرص علينا والبهتان.
وأنا مجيبك أيدك الله إلى ما سألت، ومبين عين وجه الحق فيما فصلت وأجملت، وموضح عن القول فيه كما أحببت والتمست.
ومبين لك بعد الفراغ من ذلك - بمشيئة الله - أقوالا ابتدعها إمام هذا الشيخ المتعصب على أهل الحق في الأحكام، خالف فيها سائر فقهاء الإسلام، و باين برأيه فيها جميع علماء الأنام، بدعه بها ذوو العقول والأفهام، لتكشف - أيدك الله - بها عن عواره، عند أصحابه المغترين به وأتباعه، وتهتك بها قناع ضلاله، عند المعظمين له بجهالتهم من أشياعه، وتخرسه الفضيحة بها عن الشناعات، التي يلجأ إليها بعجزه - في المناظرة - عن الحجاج بانقطاعه... وبالله التوفيق...
Shafi 30
المسألة الأولى ذكرت - أيدك الله - عن هذا الشيخ المتفقه عند نفسه لأهل العراق، أنه زعم أن الإمامية تبيح الزنا المحظور في نص التنزيل، من نكاح الاستمتاع، المعقود باشتراط الآجال، وأن قولهم في ذلك خلاف لجماعة فقهاء الأمصار، وقد حرمه الله تعالى في القرآن حيث يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون () إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/23/5" target="_blank" title="المؤمنون 5">﴿) فمن ابتغى وراء ذلك فاؤلئك هم العادون﴾</a> (1).
قال: وقد اتفق هذا الفريق - يعني الإمامية - على أن المتمتع بها ليست بزوجة ولا ملك يمين، وفي اتفاقهم على ذلك إقرار بأنهم فيما أباحوه من النكاح ضالون.
فصل قلت: وزعم أن الخبر قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الولد
Shafi 31
للفراش وللعاهر الحجر (1)، وأن الرافضة على ما (2) اتفق على نفي ولد المتعة، فلو كان عن نكاح لثبت بالفراش، وإذا لم يكن نكاح المتعة فراشا فهو سفاح محظور.
فأقول: - وبالله التوفيق - إن أول ما افتتح به هذا الشيخ كلامه سفه، و فرية توجب عليه الحد باتفاق، وذلك أنه لا خلاف بين فقهاء الأمة أن حد الزنا ساقط في نكاح الاستمتاع، فالمحلل له منهم يسقطه (3) باعتقاد الإباحة فيه، كما يسقطه من ضروب النكاح الحلال، والمحرم له يسقط الحد فيه للشبهة الرافعة - عنده - للحدود (4)، وهم مجمعون - مع ذلك - على أن من سمى المستمتع زانيا، أو سمى المستمتع بها زانية، كان مفتريا بذلك قاذفا (5)، والقرآن مصرح والسنة معا بإيجاب الحد على المفترين (6)، وهذا ينبئ عن صحة ما حكمنا به على
Shafi 32
هذا الشيخ المتعصب من استحقاق العقاب على ما لفظ به من الكلام المحظور.
فصل ثم من أعجب الأمور وأطرفها من هذا الخصم، وأدلها على فرط غباوته وجهله، أن أبا حنيفة إمامه، وجميع من أخذ عنه رأيه، وقلده من أصحابه، لا يختلفون في أن العاقد على أمه أو ابنته وأخته، وسائر ذوات أرحامه، ووطئه لهن بعد العقد، مع العلم بصحة نسبه منهن، واعتقاد حظر ذلك عليه، وتغليظه في الشريعة، ليس بزان، من أجل العقد، وأن الحد ساقط عنه لذلك، ومن سماه زانيا به كان مفتريا عنده (1)، ثم شنع على الشيعة بنكاح المتعة الذي شرعه النبي (صلى الله عليه وآله) بإجماع الأمة، واتفق على إباحته آل محمد (عليهم السلام) (2)، وخيار الصحابة الأبرار، ووجوه التابعين بإحسان (3)، و يسمي العاقد له على الأجنبية منه، المباح عقد النكاح عليها له زانيا.
إن هذا لبدع من المقال لا يذهب الخلل والتناقض فيه على سليم من الآفات.
Shafi 33
فصل فأما احتجاجه بما تلاه من سورة المؤمنين، فإنه لا حجة فيه له على حال، و ذلك أن المستمتع بها زوجة عند جميع الشيعة، ومن دان بإباحتها من مخالفيهم، وما ادعاه عليهم من إنكار ذلك، باطل منه وبهتان ومذهبهم فيه - على اجتماعهم - نقيض دعواه.
ولو امتنع منهم ممتنع من التسمية للمستمتع بها بالزوجية - على ما تظني له - يناف (١) بذلك حكم ما تلاه، لجواز وجود نكاح ثالث ينضم إلى هذين النكاحين في التحليل، ينطق به قرآن أو سنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فيقوم ذلك مقام الآية الواحدة في تضمنها للأقسام، ولم يكن ممتنعا باتفاق أهل اللسان أن تنزل الآية على هذا الترتيب، فيكون تقدير الكلام: (والذين هم لفروجهم حافظون <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/23/5" target="_blank" title="المؤمنون: 5">﴿) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين﴾</a> (٢).
وإذا لم يستحل ذلك في تقدير الكلام، لم يبق في صحته إلا وجوده في آية أخرى من القرآن، أو سنة ثابتة عن النبي (صلى الله عليه وآله).
وهو موجود في الموضعين جميعا على البيان، قال الله تعالى: بعد ذكر المحرمات في النكاح <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/4/24" target="_blank" title="النساء: 24">﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة﴾</a> (3)، فنطق الذكر الحكيم بإباحة نكاح الاستمتاع على اليقين.
Shafi 34
وثبتت الرواية عن عبد الله بن مسعود (1) و عبد الله بن عباس (2) أنهما كان يقرآن هذه الآية (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) (3)، وهذا ظاهر صريح في نكاح المتعة المخصوص.
وأما السنة: فالإجماع ثابت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطلق نكاح المتعة المشروط بالأجل، وأذن فيه، وعمل به المسلمون في حياته (4)، و ولد منه أولاد في عصره (5)، وفي إجماع الأمة على ذلك بطلان ما تعلق به الخصم في كلامه لما قدمناه.
وقد استقصيت الكلام في هذه المسألة في مواضع شتى من أمالي، و أفردت أيضا فيها كتبا معروفات (6)، فلا حاجة بي إلى الإطالة فيه والإطناب.
Shafi 35
فصل فأما دعواه علينا - في نكاح المتعة - الخلاف على كافة فقهاء الأمصار، فهو من تخرصه الذي قدمنا وصفه فيه بالبهتان، وعيون فقهاء الصحابة والتابعين بإحسان يروون في إباحته ما يلائم مذهب آل محمد (عليهم السلام)، وقد حكى ذلك عنهم من لا يتهم عليهم، من الفقهاء ورواة الأخبار.
فذكر أبو علي الحسين بن علي بن يزيد - (1) وهو من جملة فقهاء العامة - في كتابه المعروف بكتاب (الأقضية): أنه قال بنكاح المتعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): عبد الله بن مسعود (2)، ويعلي بن أمية (3)، و جابر بن عبد الله (4)، وعبد الله بن عباس (5)، وصفوان بن أمية (6)، ومعاوية بن
Shafi 36
أبي سفيان (1)، وغيرهم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وجماعة من التابعين، منهم: عطاء (2)، وطاوس (3)، وسعيد بن جبير (4)، وجابر بن يزيد (5)، وعمرو بن دينار (6)، وابن جريج (7)، وجماعة من أهل مكة والمدينة، وأهل اليمن، وأكثر أهل الكوفة.
قال أبو علي: لم يحكم أحد من المسلمين على من تمتع بحد، وعذرهم الفقهاء بما رووا فيها عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه والتابعين.
Shafi 37
ثم ذكر بعض الأخبار في ذلك، فقال:
أخبرنا محمد بن عبد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نتمتع من النساء.
قال: وأخبرنا عبد الوهاب بن مسعود بن عطا عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بملء القدح سويقا، وبالقبضة من التمر.
قال: وأخبرنا عبد الوهاب عن ابن جريج عن عطا عن ابن عباس: أنه كان يراها حلالا، ويقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) (1).
وذكر أبو جعفر محمد بن حبيب النحوي (2)، في كتابه المعروف بكتاب (المحبر) من كان يرى المتعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال:
جابر عن عبد الله الأنصاري، وزيد بن ثابت (3)، وسلمة بن الأكوع السلمي (4)، و
Shafi 38
عمران بن الحصين الخزاعي (1)، و عبد الله بن مسعود الهذلي، و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وأنس بن مالك (2).
قال ابن حبيب: والصحيح علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3).
فصل وإذا كان من عددناه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتابعين بإحسان يقول بمتعة النساء، ويفتي بتحليلها، ويدين الله بذلك، على ما ذكره ورواه من سميناه، ممن لا يتهم بعصبية للشيعة ولا يشك أهل الخلاف في ثقته وأمانته، وغيرهم من الفقهاء ورواة الأخبار، فكيف يجوز لهذا الشيخ المسرف على نفسه دعوى الإجماع من الفقهاء على تحريمها وخلاف الشيعة في تحليلها؟! لولا أنه لا يستحي من العناد.
فصل فأما ما ادعاه علينا من نفي ولد المتعة، فإنه لا حق ببهتانه ومكابرته و
Shafi 39
تخرصه وقدر أمانيه، إذ الإمامية مجمعة على الفتيا بثبوت نسبه، وتعظيم القول في نفيه، المبالغة في إنكار ذلك على فاعله، ومتفقة على تسليم الوراثة له، عن أئمتها من آل محمد (عليهم السلام)، وتأكيد ثبوت النسب من هذا النكاح، وذلك موجود في كتبهم ومصنفاتهم (1)، وأخبارهم، ورواياتهم (2)، لا يختلف منهم اثنان فيه، ولا يشك أحد منهم في صحته، والجهل بذلك من إجماعهم بعد عن الصواب، والإنكار له مع العلم به بهت شديد تسقط معه مكالمة مستعمله، وارتكابه العناد.
وأعجب شئ من هذا الباب أن المحرم لنكاح المتعة من مخالفي الشيعة يرى إلحاق ولد المتعة بأبيه، وينكر نفيه عنه، مع إطباقهم على أنه نكاح فاسد، وإنما يلحقون الولد فيه للشبهة - فيما يزعمون - بالعقد (3)، ثم تكون الشيعة التي ترى إباحتها، وتدين الله بتحليلها، وتعتقد صحة النكاح بها، وترى أن استعمالها سنة، تنفي الولد منها، ولا تثبت النسب بها؟! كلا ما يتوهم ذلك إلا مؤوف (4) خارج عن صفة العقلاء
Shafi 40
فصل ثم قال هذا الشيخ المتفقه عند نفسه: وقد بلغني عن فسوق فقيه (١) الرافضة، ومتكلم لهم من أهل بغداد، كان قد سرق الكلام من أصحابنا المعتزلة، فبان بالفهم من طائفته لذلك، ولفق طريقا في الاحتجاج لفقههم، يسرقه من أصحابنا الفقهاء، أنه ادعى للمتمتعة سمة الزوجة، ليخلص من الحجة عليه في حظرها سمة الزوجة بقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/23/5" target="_blank" title="المؤمنون: 5">﴿) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين﴾</a> (2).
وهذا مذهب أحدثه هذا المتكلم لأصحابه، لم يتقدم في القول به أحد منهم، وحسبه به خروجا عن الإجماع.
فصل فيقال له: لسنا نعرف للشيعة فقيها متكلما على ما حكيت عنه من أخذه الكلام من المعتزلة، وتلفيقه الاحتجاج للفقه على طريقة أصحابك، وهذا من تخرصك الذي أسلفت نظائره قبل هذا المكان، وادعاؤك على هذا الرجل المذكور الخروج بما رسم بالمتعة من الزوجية عن الإجماع، لا حق ببهتانك فيما مضى، والمحللون لها من الشيعة وغيرهم لا يختلفون في أنها زوجة، ونكاحها
Shafi 41
صحيح مشروع في ملة الإسلام، إلا أن يجهل ذلك بعض عامتهم، فلا يكون في جهله للحق عيار على العلماء، فإن كان عندك شئ أكثر من الدعاوي الباطلة والسباب فهلمه، وإلا فالصمت أستر لعيبك الذي فضحك بين الملأ.
فصل ثم قال صاحب الكلام: وبعد فإنا نقول له: أيقع بالمتعة طلاق؟ فإن قال:
نعم، زالت الشبهة في مكابرته لأصحابه أولا، ثم لسائر الناس، وإن قال: لا، قيل له: كيف تكون زوجة من لا يقع بها الطلاق؟! وهذا معروف من ملة الإسلام.
فصل فيقال له: أما المحفوظ من قول محللي المتعة فهو أنها لا يحتاج في فراقها لنكاحها إلى أكثر من حلول الأجل الذي وقع عليه العقد (1)، وأما وقوع الطلاق بها قبل وقوع الأجل فليس عنهم في شئ محفوظ، وسواء قالوا: إنه يقع طلاق أو لا يقع، فإنه لا يلزمهم ما ظننت في الكلام، ولا يخرجون بما يقولونه فيه من الإجماع.
وذلك أنهم وإن حكموا بأن الطلاق لا يقع بها، احتجوا فيه: بأن الأجل
Shafi 42
مبين لها باتفاق من دان بتحليلها، ووقوع الطلاق غير محكوم به عليها، لعدم الحجة من الشريعة بذلك في حكمها، وما سبيله الشرع فلا نقتضب (1) إلا منه، ومتى لم يثبت في الشريعة لحوق الطلاق بها، لم يجز الحكم به على حال، و ليس في ذلك خروج عن الإجماع، لأن الأمة إنما أجمعت على وقوع الطلاق الثلاث بالزوجات التي لا ينعقد نكاحهن بالآجال، ولم يجمعوا على أنه واقع بالزوجات كلهن على العموم والاستيعاب، وليس يجوز حمل حكم بعض الزوجات على بعض في ملة الإسلام، لفساد القياس بها، لا سيما فيما لا تعرف له علة توجب الحكم فيعدى بها إلى ما سواه.
وإن قالوا: إن الطلاق يقع بها قبل الأجل، لأنها زوجة، أو للاستظهار والاختبار والخروج بالتبرء عما فيه الشبهة من الاختلاف. لم يلزمهم في ذلك شئ يقدره مخالفوهم من الأحوال.
ودعوى الخصم في هذا الفصل: أنهم خارجون به عن الإجماع، باطلة، لأنا قد بينا أنه لم يحفظ عنهم فيه ولا في نقيضه مقال، فكيف يكون القول بأحدهما خروجا عن الإجماع؟! اللهم إلا أن يعني بذلك أن القول فيما لم يقل فيه ولا في خلافه شئ يكون مبتدعا، فيلزمه ذلك في كل ما تفرع عن المسائل التي قال فيها برأيه، ولم يكن فيه قول، لإغفاله، أو عدم خطوره لهم ببال، أو لأنه لم يتقدم فيه سؤال.
ومتى صار إلى ذلك بدع جميع المتفقهة عنده، وخرج عن العرف فيما يحكم له بالإجماع، أو بخلافه عند الفقهاء.
Shafi 43
وأقل ما في هذا الباب أن يكون الحكم فيما حدث الآن ولم يحدث فيما سلف خروجا عن الإجماع، وليس له أن ينفصل منا في هذا المعنى بما يذهب إليه من القول بالقياس وإن لم نقل بمثل مقاله فيه فإنا نقول في الشريعة ما يوجبه اليقين منها، والاحتياط للعبادات، فنقول على الحكم في الأشياء بما يقتضيه الأصل، إن كان يدل عليه دليل حظر أو إباحة، من طريق السمع أو العقل، ولا ينتقل ذلك عن حكم شرعي إلا بنص شرعي.
وهذه جملة لها تفصيل لا يحتملها (١) هذا المكان، وهي أيضا منصوصة عندنا من طريق الآثار، إذ كنا لا نرى القول بالظن في الأحكام.
فصل ثم قال صاحب الكلام: على أنهم إن حملوا أنفسهم على وقوع الطلاق بها، وخالفوا الإجماع، قيل لهم: هذا ينقض أصلكم في عددهن، على ما تذهبوا إليه في ذلك، لأن الله جل اسمه يقول: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/2/228" target="_blank" title="البقرة: 228">﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾</a> (2)، ومن مذهبكم أن المتمتع بهن عددهن قرءان، فقولكم بوقوع الطلاق بهن يقتضي نقض مذهبكم، وقولكم بمذهبكم في عددهن بما (3) وصفناه يناقض حكم القرآن.
Shafi 44
فصل فيقال له: إنما يجب الحكم بالعموم ما لم يقم دليل على الخصوص، باتفاق القائلين بالعموم من المتكلمين والفقهاء (١)، فأما ما خصه البرهان فالحكم بعمومه بخلاف العقول ودين الإسلام، وهذه الآية مخصوصة عندنا بالسنة عن النبي (عليه السلام).
فصل ويقال له: ما تقول في الإماء المنكوحات بعقد النكاح أيقع بهن طلاق؟
فإن قلت: لا، خرجت عن ملة الإسلام، وإن قلت: نعم، ناقضت بحكمك علينا ظاهر القرآن، فإن عدد الإماء من الطلاق - إذا كن يحضن - قرءان، وإن لم يكن من ذوات الحيض للارتياب فشهر ونصف (٢)، وذلك مخالف لظاهر قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/2/228" target="_blank" title="البقرة: 228">﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾</a> (3)، فقل ما شئت في هذا المكان، فإنه مسقط لشناعتك علينا فيما احتججت به من عموم القرآن.
Shafi 45
فصل ثم قال هذا الشيخ المتفقه عند نفسه: ومما يقال لهذه الفرقة المبتدعة ما تقولون في الإيلاء، أيقع بالمستمتع بها عندكم؟ فإن قالوا: نعم، كابروا أيضا بالخروج عن أصولهم، وإن قالوا: لا، قيل لهم: كيف تكون زوجة والإيلاء غير واقع بها؟! مع قول الله عز اسمه: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/2/226" target="_blank" title="البقرة: 226">﴿) وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم﴾</a> (1).
فصل فيقال له: لسنا نقول إن المستمتع بها يلحقها الإيلاء، وهذا منصوص عندنا عن أئمتنا (عليهم السلام) (2)، وليس يمنع عدم لحوق الإيلاء بالمتعة أن لا تكون من جملة الأزواج، لأن فيهن عندنا من لا يقع بها الإيلاء، في حال و أحوال، وهي:
التي وقع عليها العقد ولم يدخل بها الزوج، فإنه لا يقع بهذا الإيلاء، بالأمر الصحيح والسنة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3).
Shafi 46
والمرضع إذا آلى زوجها أن لا يقربها مخافة من حملها، فيضر ذلك بولدها، لانقطاع لبنها (١)، وهي زوجة في الحقيقة.
والمريض إذا آلى لصلاح نفسه (٢).
وهذا مما يوافقنا عليه كثير من مخالفينا في الأصول من متفقهة العامة، و ليس القول به فسادا.
فأما التعلق بعموم قوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/2/226" target="_blank" title="البقرة: 226">﴿للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر﴾</a> (3)، ففيه جوابان:
أحدهما: أن هذه التسمية لا تطلق على ذوات الآجال من النساء، ومتى لم تستحق لم تدخل تحت اللفظ، فيقضى بها على العموم.
والآخر: أنها لو كانت مطلقة عليهن لخرجن من عموم اللفظ، بدليل الآية المتضمن حكم السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والإجماع الذي تعلق به صاحب الكلام.
ثم قال: ومما يسألون عنه أيضا في الظهار، أيقع بها أم لا؟ فمهما قالوه في الأمرين خرجوا به من الإجماع.
Shafi 47
فصل فيقال له: ما تزال تزيد على الدعوى بغير برهان، والحكم بغير بيان، كأنك مطبوع على التخليط والهذيان.
عندنا أن الظهار يقع على المستمتع بها (1)، كما يقع على غيرها من الأزواج الحرائر والإماء، وفي أصحابنا من يوقعه على ملك الأيمان (2)، فأي خلاف في هذا الإجماع؟! وهل معك فيه إلا محض الحكم الجائر، والدعوى بغير بيان.
فصل قال هذا المتكلم: على أنهم لا يرون وقوع اللعان بين المتمتع والمتمتع بها، فكيف تكون زوجة لزوج لا يقع بينهما عند الفرية وجحد الولد اللعان.
قيل له: يكون ذلك إذا تقرر في شريعة الإسلام، وليس معك أن من شرط الزوجية ثبوت اللعان بينهما وعلى كل حال، وإنما يتعلق من أوجب ذلك لعموم قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم). الآية (3)، وليس يمنع قيام دليل تخصيص العام، وقد ثبت الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طرق عترته (عليهم السلام) بما يخصص عموم
Shafi 48