فإنْ قلتَ: كيفَ جَازَ مَجِيء الْحَال من النكرَة؟ قلتُ: أمّا على قَول سِيبَوَيْهٍ فَلَا إِشْكَال، لأنّه يجوز عِنْده مَجِيء الْحَال من النكرَة، وإنْ لم يكن الِابْتِدَاء بهَا، وَمن أمثلته: (فِيهَا رجلٌ قَائِما) (١)، وَمن كَلَامهم: (عَلَيْهِ مائةٌ بيضًا) (٢) . وَفِي الحَدِيث: (صلّى وَرَاءه قومٌ قيَاما) (٣) . وأمّا على الْمَشْهُور من أنّ الْحَال لَا تَأتي من النكرَة إلاّ بمسوّغ فلهَا هُنَا مسوّغان: أَحدهمَا (٤): كَونهَا فِي سِيَاق النَّفْي وَالنَّفْي يخرج النكرَة من حيِّز الْإِبْهَام إِلَى حيِّز الْعُمُوم فَيجوز حِينَئِذٍ الْإِخْبَار عَنْهَا ومجيء الْحَال مِنْهَا. وَالثَّانِي: ضعف التوصف، وَمَتى امْتنع الْوَصْف بِالْحَال أَو ضعف سَاغَ مجيئها من النكرَة، فالأوَّلُ كَقَوْلِه تَعَالَى: (أَو كَالَّذي مرَّ على قريةٍ وَهِي خاويةٌ) (٥)، وَقَول الشَّاعِر (٦): مَضَى زَمَنٌ والناسُ يستشفعونَ بِي فَهَل لي إِلَى ليلى الغداةَ شَفيعُ (٥١ ب) فإنّ المقرونة بِالْوَاو لَا تكون صفة خلافًا للزمخشري (٧)، وكقولك: (هَذَا خاتمٌ حديدًا) عِنْد مَنْ أعربه حَالا، لأنّ الجامدَ المحضَ لَا يوصَف بِهِ. وَالثَّانِي كَقَوْلِهِم: (مررتُ بماءٍ قِعْدَةَ رجلٍ)، فإنّ الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ خَارج عَن الْقيَاس. فإنْ قلتَ: هلا أجَاز الْفَارِسِي فِي (فضلا) كَونه صفة ل (درهما) .
_________
(١) ب: قَائِم. وَنَقله سِيبَوَيْهٍ على أَنه قَول الْخَلِيل.
(٢) الْكتاب ١ / ٢٧٢ وَبعده فِيهِ: وَالرَّفْع الْوَجْه.
(٣) ب: رجال. وَينظر: صَحِيح مُسلم ٣٠٨ - ٣٠٩ وَسنَن ابْن ماجة ٣٩٢ - ٣٩٣.
(٤) ح: الأول.
(٥) الْبَقَرَة ٢٥٩.
(٦) قيس بن ذريح، شعره: ١١٤ فِيهِ لبنى بدل ليلى. وَالْبَيْت أَيْضا فِي ديوَان الْمَجْنُون ١٩١. وَنسب إِلَى غَيرهمَا، ينظر اللآلي ١٣٢ - ١٣٣.
(٧) مَحْمُود بن عمر، لَهُ مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا الْكَشَّاف والمفصل والمستقصى. ت ٥٣٨ هـ (نزهة الأباء ٣٩١، الإنباه: ٣ / ٢٦٥، الْبلْغَة فِي تَارِيخ أَئِمَّة اللُّغَة ٢٥٦) .
1 / 14