2

... فأجاب : أما قوله [ انفضوا إليها ] جعل الضمير للتثنية ، فلا يدل اللفظ عليه ، لأنه قال : [ تجارة أو لهوا ] ، و[ أو ] لأحد الشيئين ، فلا يجوز أن يعود الضمير إلى الاثنين ؛ لأن ذلك حكم الواو التي هي للجمع ، ولهذا لو قلت : زيد أو عمرو قائما ، لم يجز ، بل تقول : زيد أو عمرو قام ؛ لأن المعنى أحدهما قام ، وأما جعل الضمير مؤنثا ففيه أجوبة :

أحدها : أنه أعادها إلى التجارة ؛ لأن سبب نزول الآية ، تفرقهم لأجل التجارة ، وذلك أن جلبا (2) ورد المدينة ، فسمع بذلك الصحابة ، ففارقوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرجوا ينظرون إليها ، والاعتناء بالأسباب أولى (3) 0

والوجه الثاني : أن كل تجارة لهو ، أي : يلهى بها عن الطاعة ، وليس كل لهو تجارة ، فكان الضمير عائدا على ما اشتمل عليه المعنيين ، ولو أعيد على اللهو للزم إلغاء التجارة 0

والثالث : هي المعطوف عليها ، والبداية بالشيء تدل على الاهتمام به ، فالضمير يعود على الأهم ، ثم يعود حكم المعطوف من التشريك بحكم العطف 0

والرابع : أن الضمير يعود على أحد الشيئين ، ويكتفى به ؛ لأن حكم الآخر كحكم المذكور ومثله قول الشاعر (4) : ( من الكامل )

... وكأن في العينين حب قرنفل ... ... أو سنبلا (5) كحلت به فانهلت

-27-

فأعاد الضمير إلى أحد المعنيين ، وفهم من ذلك التنبيه على الأخرى ، وكذلك قول الآخر(1)

... ... لمن زحلوقة زل ... ... ... بها العينين تنهل (2) ( الهزج )

فأعاد الضمير إلى الخصلة المذمومة ، فالتجارة خصلة ، واللهو خصلة ، فأتى بالضمير الجامع بالمعنى دون اللفظ ، وهذا كما في المذكر في قوله ( تعالى ) (3) :[ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا ] (4) أي : بذلك الفعل الذي هو خطيئة ، أو إثم ، وكذلك قوله تعالى : [ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ] (5) فأعاد الضمير عند قوم إلى الفضة ؛ لأنها أقرب المذكورين ، وقال آخرون : الذهب يؤنث أيضا ، وقال قوم : إنه أعاد الضمير إلى الأموال ؛ لأن الذهب والفضة أموال ، وقال قوم : الذهب جنس ، والفضة جنس ، وكل جنس يشتمل على أنواع ، فعاد الضمير على أنواع الجنسين ، وهذا كقوله تعالى : [ فإذا هم فريقان يختصمون ] (6) فكل واحد من الفريقين يشتمل على آحاد ، فكان الاختصام راجعا إلى آحاد الفريقين ، لا إلى لفظ الفريقين ، والله أعلم 0

2 وقال رحمه الله : سألني سائل عن قوله صلى اله عليه وسلم : " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " (7) فقال : أيجوز في الرحماء النصب والرفع ؟ وذكر أن بعضهم زعم أن الرفع غير جائز ، فأجبت وبالله التوفيق بأن الوجهين جائزان ، أما النصب فله وجهان :

Shafi 10