البرهان العاشر:
لما كانت أنفس البشر موجودة الذات ثابتة، وكانت منبهة (1) لقبول ما يلمع في ذاتها من صور الموجودات بكونها مكانا للصور العلمية ، وقيامها جوهرا قابلا لم تخل بكونها بهذه الصفة في وجود ذاتها من وجهين: إما أنها موجودة الذات قبل الأشخاص المهيأة لها لنشوئها ويقال عليها نفس، أو لم تكن بموجودة الذات قبل الأشخاص فإن كانت موجودة الذات قبل الأشخاص ويقال عليها نفس لم يخل كونها من وجهين: إما أنها كانت في عالم النفس أو في عالم الجسم لكونها ما شمله الوجود في هذين العالمين. فإذا كانت في عالم النفس وكان عالم النفس ذا صور من معارف الأكوان السابقة والتالية المتعاقبة مجردة وفيوض فائضة علمية فكون النفس في تهيؤها (2) للقبول يقتضي أن تكون تلك المعارف التي هي صور مجردة وفيوض فائضة قد لمعت في ذاتها فصارت محمولة موجودة فيها، وهي بها عالمة ونراها خالية من ذلك بكونها عاجزة عن ذكر ما كان من أحداث أو يكون من أكوان مع قدرتها على الفكرة فيما تحويه ذاتها من صور الموجودات والكائنات من جهة التعليم، ونجدها غير مفكرة ولا عالمة ما لم تكتسب العلم من جهة المعلمين.
وإذا كانت خالية محتاجة من العلم إلى الاكتساب بطل أنها كانت في عالم النفس، وإن كانت في عالم الجسم لم يخل كونها من وجهين: إما أنها كانت قائمة بذاتها أو قائمة بغيرها، فإن كانت قائمة بذاتها (3) وكان لا يقوم بذاته ما لا يكون جوهرا باقيا، وكان لا
Shafi 44