بين الأقران فما رد عليه جوابًا وأطرق، فلما رأى الدب إطراقه وسكوته قال إن الملوك سكوتها رضاها وحيث سكت أتت الفرصة فانتدب للجواب واستعد للخطاب فقال: أعلم يا عادل أن من أخفى خيانة الخائن واستخف بزلة الجاني واعتذر منه فهو شريكه في الذنب خصوصًا إذا كان صادرًا في حق ملك من الملوك ويقدر المجني عليه على الجاني. قال العادل: يا مولانا الوزير كلنا محل الخطأ والتقصير.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرد نبلًا أن تعد معايبه
وإن لم يشفع الشخص في الجاني فالمحسن لا يحتاج إلى شفاعة ومن لم يأخذ بيد العاثر لم يجد ليده آخذًا إذا عثر وأحسن ما يكون العفو من القادر على المؤاخذة وهم الملوك وأحسن ما تتصف به الملوك من الصفات الجميلة والخطأ الذي يصدر من الشخص أربعة أقسام: زلة وتقصير وخيانة ومكروه، فجزاء الزلة العقاب وجزاء التقصير الملامة والتوبيخ وجزاء الخيانة العقوبة، وإيصال المكروه جزاؤه إيصال مكروه مثله، والذنب الصادر من الرئيس إنما هو زلة وقد استوفى جزاءه وزيادة والملك أدام الله تعزيزه له أن يعاقب على الذنب اليسير ويعفو عن الذنب الكبير ولا يؤخر عنده العفو والخير والفضل ومكارم الشيم أولى من أن يؤثر عنه القصاص والعقوبة فإن ذلك أليق بحشمة الملك. فلما سمع الدب منه هذا الكلام قال: من شرط ناموس السياسة إقامة حرمة الملك وأن لا يسامح طوائف بل يستوفي الملك القصاص منهم ولا يأمن إليهم، فإنه لا يصدر منهم خير منهم من عزل عن منصبه بغير سبب ومنهم من يصادف أعداء الملك ومنهم من يرى له مسرة في مضرة الملك ولا يبالي بذلك ومنهم من يطلب على خدمته مكافأة، فإن لم يحصل مطلوبه تغير خاطره ومنهم من يتعرض لسخط الملك ومنهم من يهتك حرمته
1 / 68