فتوجه هذا العفريت إلى سفح الجبل الذي فيه ذلك الزاهد وأرسله إليه يقول له إن من قديم الزمان وبعيد الحدثان كنت أضللت كثيرًا من الناس وكانوا قد صاروا تبعي ومريدي وأنت فتنت العالم وصيرتهم أعدائي من بني آدم وأنا مقتدى الشياطين ورأس العفاريت المتمردين ورجوم النجوم إنما أعدت من أجلي وقوله تعالى فاتبعه شهاب ثاقب نزلت في شأني وأن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم طراز خلعتي ثم إنك قد جئت في هذا الزمان وظهرت في هذا المكان تريد تهدم ما بنيته وتعود بصلاحك ما بفسادي سوية وأنا كنت في قديم الزمان ناديت بني آدم جميعًا وسيرتهم لي سميعًا ومطيعًا بشعر خذه وأشهره بين ذويه لتعيه:
كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وقامروا ... ألا واسرقوا سرًا وخوضوا الدما جهرًا
ولا تتركوا شيئًا من الفسق مهملا ... مصيركم عندي إلى الجنة الحمرا
وأنت جئت بزخرفتك ووسوستك وخرافاتك وناموسك الباطل تريد أن تبدد عني عساكري وتفرق جموعي بمخالفة أموري وأوامري، وهاأنا قد جئت إليك ونزلت كالقضاء المبرم عليك اريد أن أناظرك في أنواع العلوم وأسألك عن حقائق المنطوق والمفهوم بمحضر من الجن والأنس وسائر ما في الوجود من أنواع الحيوان والجنس فيظهر إذ ذاك جهلك فيتبدد قومك وأهلك ويتركك مقتدوك وينفك عن حضرتك مريدوك وافسد بين العالم صيتك وأتلفه فاجعل بيننا وبينك موعدًا لا تخلفه. فلما وصل رسول العفريت إلى الشيخ العابد والناسك الصالح الزاهد فبمجرد ما نظر إليه ووقع نظر الزاهد عليه كاد أن يذوب كالأملاح ونفذ في فؤاده
1 / 54