ثم تبرأ من كل الغرور فأنبأهم بأنه لا يزعم لنفسه السيطرة على خزائن الله ولا علم الغيب ولا أنه ملك، وإنما هو رجل مثلهم ولا يستطيع أن يزعم أن الذين اتبعوه لن يؤتيهم الله خيرا لأن الممتازين من قومه يزدرونهم:
قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين .
وقد ضاق به قومه بعد هذا الحوار فأنبئوه بأنه قد جادلهم فأكثر وأطال، وسألوه إن كان صادقا أن يأتيهم بما خوفهم منه؛ فرد عليهم بأن الله وحده قادر على أن يأتيهم به إن شاء وأنهم أهون من أن يكونوا معجزين لله، واستيأس منهم أو كاد فقال لهم: إن نصحه لن ينفعهم إن كان الله قد كتب عليهم الغواية وهو ربهم وهم صائرون إليه آخر الأمر:
قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون .
وهنا تعترض آية ليست من القصة ولكنها تمت إليها بسبب كأن المشركين من قريش قد ارتابوا حين تليت عليهم هذه الآيات في صدق النبي وفي أن ما يتلوه عليهم قد أتاه من عند الله فأمره الله أن يقول لهم: لا عليكم إن كنت مفتريا فعلي وحدي تبعة ما أفتري، وأنا على كل حال بريء من جرائمكم:
أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون .
وينبئ الله نوحا بما يشعره في وضوح بأنه لم يعجل حين استيأس من قومه، فهم لن يثوبوا إليه ولن يقبلوا منه دعوته، ويعزيه الله عن هذا الإعراض، فيقول:
وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون .
ثم يأمره الله أن يتهيأ لما كتب له من النجاة هو وأهله والذين آمنوا معه فيأمره أن يصنع الفلك برعايته وعن أمره، وينهاه أن يتوسل إليه في الذين ظلموا أنفسهم من قومه وأعرضوا عن دعوته فيقول:
واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون .
Shafi da ba'a sani ba