قال الرواة: وأصبح أبرهة من غد مزمعا دخول مكة وهدم البيت، ولكن الله حال بينه وبين ذلك بما أرسل عليه وعلى جيشه من تلك الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول.
وعادت قريش إلى مكة موفورة لم ترزأ شيئا، فازداد إكبارهم لعبد المطلب وشجاعته وثقته وثباته؛ حيث لم يثبتوا وإنما فروا فلاذوا بشعاب الجبال.
في نفس هذا العام - الذي سمته قريش وسماه الرواة بعد ذلك عام الفيل - ولد هذا الصبي يتيما كما رأيت آنفا، فسماه عبد المطلب محمدا وكفله واسترضعه في بني سعد من هذيل، حتى إذا تم الرضاعة واحتفظت به المرضع بعد رضاعه وقتا ردته إلى أمه، فجعل ينشأ بمكة في ظل جده الشيخ. ثم سافرت به أمه - حين كان في السادسة من عمره - إلى يثرب تريد أن تزور وأن تزير الصبي قبر أبيه عبد الله بن عبد المطلب، ولكنها خرجت من مكة ولم تعد إليها كما خرج زوجها عبد الله من قبل فلم يعد إلى وطنه.
أدركها الموت في بعض الطريق منصرفها من يثرب عائدة إلى مكة، وعادت بالصبي حاضنته بركة - التي عرفت في الإسلام بأم أيمن - فقامت على خدمته في ظل جده وأصبح الصبي يتيما لأبيه وأمه جميعا. على أنه لم يبلغ السابعة حتى فقد جده أيضا فأخذه اليتم من جميع أقطاره: فقد أباه وأمه وجده، ولكن الله آواه كما يقول في سورة الضحى:
ألم يجدك يتيما فآوى .
وكفل الصبي بعد موت الشيخ عمه أبو طالب فكان له نعم الكافل ونعم الولي. وكان أبو طالب صاحب سفر في التجارة كغيره من أشراف قريش وأوساطها.
فيقول الرواة: إنه هم بالسفر في تجارته إلى الشام ذات عام والصبي في الثانية عشرة من عمره، فتعلق به الصبي وألح في أن يصحبه في سفره ذاك، ورق له قلب عمه فحمله معه إلى الشام.
ويقول الرواة: إنه لم يكد يبلغ به مشارف الشام حتى عاد به مسرعا إلى مكة عن أمر راهب من رهبان النصارى علم من أمر الصبي ما لم يعلم عمه، فأوصاه أن يرده إلى وطنه وأن يحرزه في مكة من مكر النصارى واليهود.
وشب الصبي في كفالة عمه، حتى إذا بلغ الرابعة عشرة من عمره شهد حرب الفجار التي كانت في حرم مكة بين قيس وقريش.
شهد الحرب ولكنه لم يشارك فيها؛ كان أصغر سنا من ذلك، فكان ينبل على أعمامه. وأكبر الظن أنه حين أينع جعل يسعى في رزقه فكان يرعى الغنم على قومه حتى إذا نيف على العشرين سلكت الحياة به طريقا أخرى.
Shafi da ba'a sani ba