كثيرا ما ينهى عن الغلول، ويخوف منه أشد التخويف وأهوله، وأنزل الله في الغلول قرآنا، فقال في سورة الأعراف:
وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون * أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .
ومع هذا كله فقد غل بعض الناس من الغنائم أيام النبي، فذكر الرواة أمر ذلك الذي قتل بخيبر، فجعل الناس يتباشرون له بالشهادة أمام النبي، وقال
صلى الله عليه وسلم
إن الشملة التي غلها لتشتعل حوله نارا. أو شيئا بمعنى ذلك.
قال الرواة فقام رجل فجاء بشراكين فألقاهما وكان قد احتجزهما، فلما سمع ما سمع من النبي خاف فردهما.
كذلك كانت أمور الجهاد والغنائم أيام النبي، وأين هذا مما عرف المسلمون في حروبهم مع الفرس والروم، وفيما ملئوا به أيديهم من الغنائم التي لا يكاد المؤرخون يحسنون تصويرها ولا إحصاءها.
وجيوش المسلمين بعيدة عن مركز الخلافة بعدا شديدا، والخليفة قار بالمدينة لا يرى ما يصنع المسلمون بعد أن ينزل الله نصره عليهم، وإنما تأتيه أنباء النصر وترسل إليه أخماس الغنائم، فيقسمها على من حضره من المسلمين، وينفق منها على نوائب الأمة.
والمسلمون في تلك الأيام لا يغنمون الأموال التي تنقل فحسب، وإنما يغنمون الأرض التي تفتح وما عليها من العقار، وكل ذلك بعيد عن الخليفة، وأموره معقدة أشد التعقيد. فالغنائم التي تنقل يمكن أن تخمس ويرسل خمسها إلى الخليفة، ويقسم سائر أخماسها على الجند. ولكن الغنائم الثابتة ماذا يصنع بها قائد الجيش، لا يستطيع أن ينقلها ولا أن يقسمها، ولا يستطيع الجند إن قسمت فيهم أن يقوموا عليها؛ فهم لم يرسلوا ليكونوا زراعا، وإنما أرسلوا للحركة المتصلة، لا تفتح عليهم مدينة إلا تجاوزوها إلى غيرها، فكل هذا كان جديدا بالقياس إلى الخلفاء.
ولم يكن بد لعمر من أن يضع نظاما يحصر هذه الغنائم ويكفل القيام عليها، ويكفل حقوق الجند فيها، وهذه الجيوش التي ترسل تباعا إلى الأرض البعيدة في الشرق والغرب، لم يكن بد من تهيئتها للحرب قبل أن ترسل، ولم يكن بد من إمدادها بكل ما تحتاج إليه بعد إرسالها. ولم يكن بد من حكم المدن والأقاليم التي تفتح، ومن نشر الإسلام فيها، وأن يجرى الحكم فيها على ما أمر الله أن تجرى عليه الأحكام إلى غير ذلك من المشكلات التي لا تحصى، والتي جعلت تظهر ويتبع بعضها بعضا كلما أمعن المسلمون في الغزو وأبعدوا في الأرض، وقد جد عمر - رحمه الله - في حل هذه المشكلات وتدبر أمور هذه الدولة الناشئة، التي كانت تكبر وتتسع رقعتها، وتزداد مشكلاتها يوما بعد يوم.
Shafi da ba'a sani ba