يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون .
وكثيرا ما كان المسلمون يعرضون على النبي بعض أمرهم، فيقول لهم أحيانا: ما عندي في هذا شيء. ثم لا يلبث أن يدعو من عرضوا عليه الأمر فينبئهم بحكم الله فيه. وأحيانا يظهر الإعراض عن سائليه بأنه لم يأته علم من الله بما سألوه عنه، ثم ينزل القرآن فيقضي فيهم بحكم الله، كما كان من أمر ذلك الرجل الذي زعم لرجل من أصحاب النبي أنه وجد عند أهله غيره ولم يدر ماذا يصنع، وأشفق أن يقتله فيقتل به. فكلف صاحبه ذاك أن يسأل النبي في أمره، وذهب صاحبه فسأل النبي، فأعرض عنه وأظهر الكراهة للسؤال. وقص الرجل على صاحبه ما رأى من كراهية النبي للمسألة فأبى الرجل إلا أن يسأل النبي ففعل، وأجابه النبي بأن الله قد أنزل فيه وفي صاحبته قرآنا، وأمره أن يدعو صاحبته، فأنفذ فيهما ما قضى الله بالآية الكريمة من سورة النور:
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .
ولست أعرف أبلغ من قول أم أيمن، حين كلمت في بكائها بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، فقالت إنها إنما تبكي لانقطاع خبر السماء. ذلك أن وفاة النبي قطعت عن المسلمين هذا الخبر حقا، فلم يكن وحي بعده. ولم يكن للذين قاموا بأمر المسلمين من الخلفاء إلا أن يصرفوا الأمور بما نزل من القرآن، وبما ثبت لهم من حديث النبي، بسماعهم هم أو بسماع العدول من أصحابهم.
وقد ظلت حياة المسلمين نقية صافية أيام أبي بكر - رحمه الله - كدرتها ردة العرب، فلما قمعت ثورتهم وعادوا إلى ما كانوا عليه أيام النبي من الطاعة في كل ما أمر الله، برئت حياة المسلمين من الشوائب، ورمى بهم أبو بكر الشام والعراق، ثم جاء عمر - رحمه الله - بعد أبي بكر فاشتد إلى أقصى حدود الشدة في المحافظة على صفاء الحياة الإسلامية ونقائها، على نحو ما كانت عليه أيام النبي وأبي بكر، وبذل في ذلك من الجهد في دقيق الأمور وجسامها ما لم ينسه التاريخ بعد، وما أرى أنه سينساه آخر الدهر؛ ذلك أن المشكلات الجسام التي عرضت للمسلمين في حياة عمر كانت جديدة كل الجدة، لم يعرض مثلها ولا شيء قريب منها أيام النبي وأيام أبي بكر، فقد كانت غزوات النبي على خطرها يسيرة بالقياس إلى فتح بلاد الفرس، واقتطاع الشام ومصر من بلاد الروم. وكانت الغنائم التي تتاح للمسلمين أيام النبي شيئا لا يكاد يقاس إلى ما أتيح لهم من الغنائم أيام عمر، فكان من أيسر الأشياء أن ينفذ النبي فيها حكم الله الذي بينه في سورة الأنفال:
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير .
فكانت الغنائم تجمع للنبي فيحتجز منها الخمس، ينفق منه على ما بين الله في الآية الكريمة، ويقسم سائرها على المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان.
ومع أن الأمانة أيام النبي كانت كأقوى ما يمكن أن تكون في قلوب المسلمين، فقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم
Shafi da ba'a sani ba