واستمر الوأد جاريا عند العرب إلى أن قام زيد بن عمرو النصراني، فجعل ينهي عنه، وتبعه صعصعة بن ناجية جد الفرزدق، فأخذ يطوف في القبائل يشتري الموءودة بناقتين وجمل، يشتري حياتها لا رقها، وظل كذلك إلى أن جاء الإسلام وقد فدى ثلاثمائة موءودة، وقد افتخر بفعله هذا الفرزدق فعده في شعره من جملة مآثر آبائه فقال:
وجدي الذي منع الوائدات
وأحيا الوئيد فلم يوأد
ونظرا لتأصل هذه العادة القبيحة في نفوسهم وتعارفهم بها، كان الوالد إذا أدركته الشفقة على ابنته وأحب استحياءها، يجهد بإخفائها من الناس؛ لئلا يفطن لها أحد، مثلما فعل عصيم بن مروان بابنته نضيرة أم حصن بن حذيفة، فيما حكاه أبو محمد الأعرابي ولم يكن له ولد غيرها، فلما ولدت له ورآها انتشرت نفسه عليها ورق لها، وقال لأمها: استرضعيها وأخفيها من الناس.
ومع ذلك، فلم يكن العرب بأسرهم على هذا المنوال يئدون بناتهم، فإن عددا منهم ليس بالقليل كانوا يستحيونهن، غير أنهم كلهم قاطبة كانوا يكرهونهن ويرون ولادتهن مصيبة عليهم؛ أنفة من العار الذي قد يلزم عنهن، وهربا من مئونة تربيتهن. وقد سئل أحدهم عن ولده فقيل له: كم ولدك؟ فقال: قليل خبيث. فقيل له: كيف؟ قال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من أنثى. وقال آخر في ابنة له كانت تبالغ في بره وإكرامه:
تهوى حياتي وأهوى موتها أبدا
والموت أكرم نزال على الحرم
وقد توارث هذه الكراهة الخلف عن السلف، حتى إنه لما أراد بعض الإسلاميين أن يهنيء بعض الوزراء قديما بابنة ولدت له احتاج أن يذكر - تسلية له - ما في السماء والأرض وما بينهما من الإناث، وهذا نص كتابه أورده تفكهة ليعلم منه كم كانت الأنثى مبغضة إلى والديها. قال:
أهلا وسهلا بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، المبشرة بإخوة يتسابقون، ونجباء يتلاحقون.
ولو كان النساء كمثل هذي
Shafi da ba'a sani ba