وقد يظن أن أولى الخواص بالجوهر أن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات، والدليل على ذلك أنه لن يقدر أحد أن يأتى بشىء مما ليس هو جوهرا، الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات، مثال ذلك أن اللون الواحد بالعدد هو بعينه لن يكون أبيض وأسود، والفعل الواحد بالعدد هو بعينه يكون مذموما أو محمودا، وكذلك نحو الأمر فى سائر الأشياء مما ليس بجوهر. فأما الجوهر فإن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات ، مثال ذلك: «إنسان ما»، فإن هذا الواحد هو بعينه يكون أبيض حينا وأسود حينا، وحارا وباردا، وطالحا وصالحا. ولن يوجد ما يجرى هذا المجرى فى شىء مما سوى الجوهر أصلا اللهم إلا أن يرد ذلك راد بأن يقول: إن القول والظن مما يجرى هذا المجرى، لأن القول بعينه مظنون صدقا وكذبا، مثال ذلك أن القول إن صدق فى جلوس جالس فإنه بعينه يكذب إذا قام؛ وكذلك القول فى الظن، فإن الظان إن صدق فى جلوس جالس كذب إذا قام متى كان ظنه به ذلك الظن بعينه. فتقول: إن الإنسان — وإن اعترف بذلك — فإن بين الجهتين اختلافا، وذلك أن الأشياء فى الجواهر إنما هى قابلة للمتضادات بأن تتغير أنفسها، لأن الشىء إذا كان حارا فصار باردا فقد تغير؛ وإذا كان أبيض فصار أسود، إذا كان مذموما فصار محمودا، وكذلك فى سائر الأشياء: كل واحد منها قابل للمتضادات بأن يقبل بنفسه التغير. فأما القول والظن فإنهما ثابتان غير زائلين لا بنحو من الأنحاء ولا بوجه من الوجوه، وإنما يحدث المضاد فيهما بزوال الأمر، فإن القول فى جلوس جالس ثابت بحاله، وإنما يصير صادقا حينا وكاذبا حينا بزوال الأمر. وكذلك القول فى الظن أيضا. فلتكن الجهة التى تخص الجوهر أنه قابل للمتضادات بتغيره 〈فى〉 نفسه. هذا إن اعترف الإنسان بذلك، أعنى أن الظن والقول قابلان للمتضادات. إلا أن ذلك ليس بحق، لأن القول والظن ليس إنما يقال فيهما إنهما قابلان للأضداد من طريق أنهما فى أنفسهما يقبلان شيئا، 〈لكن〉 من طريق أن حادثا يحدث فى شىء غيرهما، وذلك أن القول إنما يقال فيه إنه صادق أو إنه كاذب من طريق أن الأمر موجود أو غير موجود، لا من طريق أنه نفسه قابل للأضداد، فإن القول بالجملة لا يقبل الزوال من شىء أصلا، ولا الظن. فيجب ألا يكونا قابلين للأضداد، إذ كان ليس يحدث فيهما ضد أصلا، فأما الجوهر فيقال فيه إنه قابل للأضداد من طريق أنه نفسه قابل للأضداد، وذلك أنه يقبل المرض والصحة والبياض والسواد. وإنما يقال فيه إنه قابل للأضداد من طريق أنه هو نفسه يقبل كل واحد من هذه وما يجرى مجراها. فيجب من ذلك أن تكون خاصة الجوهر أن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات بتغيره فى نفسه. فهذا، فليكن مبلغ ما نقوله فى الجوهر؛ وقد ينبغى الآن أن نتبع ذلك بالقول فى الكم.
[chapter 6] فى الكم
وأما الكم فمنه منفصل، ومنه متصل. وأيضا منه ما هو قائم من أجزاء فيه لها وضع بعضها عند بعض، ومنه من أجزاء ليس لها وضع. فالمنفصل مثلا هو: العدد والقول؛ والمتصل: الخط، والبسيط، والجسم، وأيضا مما يطيف بهذه الزمان والمكان.
Shafi 15