240

* شهادة العباس (ع)

ولم يستطع العباس صبرا على البقاء بعد أن فني صحبه وأهل بيته ، ويرى حجة الوقت مكثورا قد انقطع عنه المدد ، وملأ مسامعه عويل النساء وصراخ الأطفال من العطش ، فطلب من أخيه الرخصة ، ولما كان العباس (ع) أنفس الذخائر عند السبط الشهيد (ع)؛ لأن الأعداء تحذر صولته وترهب إقدامه ، والحرم مطمئنة بوجوده مهما تنظر اللواء مرفوعا ، فلم تسمح نفس أبي الضيم القدسية بمفارقته فقال له : «يا أخي أنت صاحب لوائي» (1).

قال العباس : قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين واريد أن آخذ ثأري منهم ، فأمره الحسين (ع) أن يطلب الماء للأطفال ، فذهب العباس إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار ، فلم ينفع. فنادى بصوت عال : يا عمر بن سعد ، هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته ، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى ، فاسقوهم من الماء قد أحرق الظما قلوبهم ، وهو مع ذلك يقول : دعوني أذهب إلى الروم أو الهند واخلي لكم الحجاز والعراق. فأثر كلامه في نفوس القوم حتى بكى بعضهم ، ولكن الشمر صاح بأعلى صوته : يابن أبي تراب ، لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا ، لما سقيناكم منه قطرة ، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.

فرجع إلى أخيه يخبره ، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش (2) فلم تتطامن نفسه على هذا الحال ، وثارت به الحمية الهاشمية :

يوم أبو الفضل تدعو الظاميات به

والماء تحت شبا الهندية الخذم

Shafi 267