ولو سلم ذلك لم يتم الوجوب؛ لأن الواجب هو التعليم لا التصنيف (1).
ويمكن الجواب عن الأول: بأن الجزالة المطلوبة من الخطابة قد تأدت بجعله ملتمسا، وجعل إجابته طاعة، ولا يجب البلوغ إلى الغاية في ذلك، بل على تقدير تفويت الجزالة رأسا لا يوجب الخلل، فكيف مع وجودها. والعدول عن باب الخطابة إلى مقام الترغيب والترهيب في تعليم المتعلم وتنبيه الغافل، ووجوب إرشاد العالم الجاهل - كما قد أرشدت إليه الأدلة من الكتاب والسنة (2)- أمر مطلوب.
وعن الثاني: بأن حذف مثل ذلك مع دلالة السياق والسباق عليه من قوله: (فهذه رسالة في فرض الصلاة)، وكونها قد صنفت إجابة لالتماس الطالب، وغير ذلك جائز، بل مقتضى الوجازة حذف ما دل عليه المقام واستفيد المحذوف من باقي الكلام، وقد جاء في القرآن وفصيح كلام العرب من أنواع الحذف التي لا يدل على بعضها دليل من اللفظ ما أفرد له أبواب، ومن أراد معرفته مستقصاة فليطالع المغني (3).
وعن الثالث: بأنه إن أراد بالتعليم إلقاء اللفظ الدال على المعنى إلى المتعلم، فانحصار الوجوب فيه ممنوع، بل هو أحد أفراد الواجب، فإن الواجب عند المفتي (4) إيصال المعنى إلى ذهن السامع بحيث يستفيد منه مطلوبه، وهو أمر كلي يحصل في ضمن التصنيف والتعليم باللفظ وغيرهما، فيكون كل واحد من التعليم والتصنيف واجبا على التخيير، ويبقى فرد التصنيف أفضل الواجبين وأكملهما؛ لعموم النفع به واستمراره على مرور الأزمان، فلا جرم صدق وصف التصنيف بالوجوب؛ لأنه أحد أفراد الواجب المخير إن لم يكن أكملها.
وإن أراد بالتعليم الواجب هو هذا المعنى الكلي، فنفي الوجوب عن التصنيف ممنوع؛ لأنه أحد أفراده.
Shafi 13